كنا نتبادل الأحاديث الجادة والساخرة منها فوق أرصفة روتوروا، متجهين للمركز السياحي الذي يبعد قرابة العشرة دقائق، من المؤكد أننا محظوظين هذا اليوم فالأجواء من حولنا أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة، أقتربنا من مقصدنا وقد كان منظر تلك الحافلات الضخمة السياحية هو أول ماشد أنتباهنا، أما ماكان حولها فبالطبع هم السياح الأجانب، عبرنا من بينهم بتجاه البوابة الرئيسية، ماإن تخطيناها حتى اصبحنا في عالم آخر، فالكونترات كانت تزدحم بطوابير السياح من شتى بقاع العالم، أما منظر تلك الملصقات مختلفة الأحجام فقد كان يجعلك مع كل نظرة تستمتع بمكان ما في نيوزيلندا، في أحد المرات تجد نفسك هاوياً بقاربك من قمة تلك الشلالات، والمرة الأخرى متعلقاً بحبالك عبر صخور الجبال، والثالثة تتزلج فوق الثلوج النيوزيلندية، أما الرابعة فتسبح في السماء بعد أن تم إسقاطك من تلك الطائرة، مشينا عبر الممرات وتصفحنا تلك البروشورات باحثين عن وجهة قريبة ولا تحتاج جرأة أو شجاعة، وقبل كل ذلك تناسب ميزانيتنا المتواضعة،
- صوت1: وش رايكم نروح للكهوف..شكلها رعب من جد
- صوت2: هذي نهاية متابعتك لأفلام الرعب..
- صوت3: طيب والقارب اللي ينزل من فوق الشلالات ؟!!
- صوت4: قالولك بايعين أنفسنا..لا لا ماينفع ابداً
- صوت4: ياكثر أنشطتهم وطلعاتهم...والله ناس فاضية !!
- صوت8: أحلى اللي يشوفك الحين يقول مقطع أم الإختراعات..ترى حدك بلايستيشن
- صوت3: أنت عندك بترول وهم ماعندهم...خلهم يترزقون الله ياصوت4
- صوت7: غريبة أبو هباش إلى الحين معنا..ماجلس عند البحيرة !!
- صوت6: شباب شباب شوفوا هالبروشور...أحسن مافيه أنه ثلاثة في واحد
لم نجد مفر من العرض الموجود على هذا البروشور، فقد تحققت فيه جميع الشروط المطلوبة، لنأخذه ويتجه أحدنا لموظف الحجز بعد أن أخذ كامل المبلغ،
- مرحباً... نحن عشرة أشخاص ونريد الحجز على هذا العرض..
- حسناً لك ذلك... ستأتي بعد قليل سيارة الأجرة لنقلكم للمكان المحدد..سبعة دقائق من هنا إلى هناك.
- شكراً
- أوقات ممتعة سيدي
خرجنا من المبنى لننتظر بالقرب من تلك النافورة الصغيرة، لحظات حتى وصلت تلك الحافلة التي بالكاد ستأخذنا، حشرنا أنفسنا وأنطلقنا، كنا نتجه لأطراف روتوروا حيث يقع ذلك المركز الترفيهي، كان يضم عدة نشاطات أحدها القولف والآخر إصطياد الاقراص، والثالث الرمي بالقوس والسهام، أما الرابع فقد كان وجهتنا الأساسية..أسلحة الليزر والغابة، كانت تلك الوجهة عبارة عن منطقة خضراء محاطة بسياج يفصلها عن بقية الأراضي، وفي جانبها البعيد كانت هناك الغابة حيث ستتم معركة ثعلب الغابات !!، كان ذلك النيوزيلندي يودع مجموعة سياح عند وصولنا، نزلنا بتجاهه ليرحب بنا ويقول "أتبعوني"، أخذنا لمقر الإستقبال حيث توزع أسلحة الليزر وتُعطى قوانين اللعبة، بدأنا بالإنقسام إلى مجموعتين، المجموعة الأولى كانت تحمل الخوذات الصفراء، والثانية تحمل الخوذات الحمراء، تم شحن تلك الأسلحة بعشرة أرواح لكل شخص، أنطلق الفريقين بتجاهين مختلفين من الغابة، بعد عدة دقائق من المشي المتواصل تم أخذ الأماكن المطلوبة، كانت تلك التحديات التي أطلقناها في مقر الإستقبال كفيلة بإشعال نيران الحماس في نفوس الجميع، ماهي إلا لحظات حتى بدأ الإشتباك في أحد الجهات، فأصوات تلك الرشاشات كانت مجلجلة، وكانت الضحية الأولى بالطبع الجندي سلطان، فمهما أخفى نفسه سيظل مفضوحاً !!، البعض كان يجيد فن التصويب على تلك القبعات الحاملة في داخلها مستقبلات أشعة الليزر، والبعض الآخر كان بالكاد يحمل السلاح !!، الإنتباه لأوراق الأشجار المتساقطة على الأرض مهارة لا يتقنها إلا القلة، فعندما تقع أقدامك عليها سيُعرف مكانك وإتجاهك، وبالتأكيد سيتم أصطيادك بكل سهولة بأشعة الليزر، كان كل همي هو البحث عن عزيز، فهو المطلوب عندي رقم واحد، كنت أتخفى تارة وأظهر تارة، أقتل تارة وأُقتل أخرى، لحظات حتى رأيته من بعيد بين تلك الأشجار، يبدو أنه منشغل بالبحث عني أيضاً !!، لم أتمالك نفسي حتى جثوت على ركبتي إستعداداً لإقتناصه، فجأة أطلقت النيران (الوهمية) بتجاهه، ضحكتُ بعد أن سمعت خوذته تصرخ بصوتها الآلي لتقول " لقد تم قتلك..لقد تم قتلك"، لم تتم فرحتي فمكاني الآن أصبح مكشوفاً لأعضاء فريقه...لتصرخ قبعتي هي الأخرى بذات الجملة !!،
كان فيصل (من القروب السعودي) القناص رقم واحد ذلك اليوم، كان يختبئ ويرمي ثم يغير مكانه بكل اريحية وسكينة دون أن ينتبه له أحد، فهو آخر من أنتهت أرواحه العشرة، لم يمر ذلك اليوم أيضاً دون خيانات بين أعضاء الفريق الواحد، فلا تستغرب عندما تجد صديقك المختبئ خلف الشجرة المجاورة يوجه سلاحه ناحيتك ليرديك وقبعتك قتلا !!،
مرت الساعات ذلك اليوم دون أن نشعر، فبعد إنتهاء الحرب السعودية على الأراضي النيوزيلندية توجهنا لحمل الأسلحة مرة أخرى (فعلاً يوم دموي)، ولكن هذه المرة لإصطياد الأقراص الطائرة في الهواء، كانت النتائج مرضية ولكنها لم تكن كذلك عندما توجهنا للقوس والسهام، كان الهدف يبعد قرابة العشرين متر وخلفه مباشرة حائط، ذلك الحائط بقدرة قادر أصبح هو الهدف لسهام السعوديين الطائشة إلا من رحم ربي !!
كان ذلك المكان أشبه بدورة الأولمبياد، فهناك الكثير من المسابقات منها القولف وطاولات البلياردو وركوب الثور الكهربائي (الهائج)، ولكن كان غروب الشمس ذلك اليوم هو سبب رحيلنا المبكر، فوجودنا وسط المدينة قبل غياب الشمس أمر مهم، وصل سائقنا على الموعد المحدد لنركب جميعاً وننطلق،
بدأ أبو هباش بجمع التكلفة الظاهرة على شاشة التسعيرة، كان الجميع يترقب وجهه البشوش وهو يخطط للفشل، كانت بغيته هي جمع المبلغ ودفعه ثم الإحتفاظ بالباقي،
ولكن كم سيبقى ؟!!، دولار دولارين لا يهم..المهم أن يبقى شيء ليحتفظ به أبو هباش، كان المبلغ الظاهر قبل توقف الباص قريب مما جمعه أبو هباش، ضحك وعلامات النصر تملأ وجهه، فحدة ذكائه أنسته النظام النيوزيلندي لتسعيرات الأجرة، لحظات حتى تحطمت أحلامه على تلك الشاشة الصغيرة، فبعدما توقف الباص...قفز ذلك الرقم الظاهر عدة دولارات للأمام، مما جعل الجميع تذرف دموعه ضحكاً على قسمات وجه أبا هباش، فالسحر تلك اللحظة إنقلب على الساحر!!،
نزلنا ضاحكين وأنطلقنا عبر الشارع بتجاه السيتي فوكس، حيث سنجلس هناك ونخطط لقضاء الوقت المتبقي، أخذنا تلك الكراسي برفقة ماأشتهت نفوسنا من الموكا الساخنة أو الكابتشينو أو حتى الإسبريسو الشاذة (طلب عزيز المفضل)، أما تلك الإسبريسو الشاذة فقد كانت تمثل عقدة لي، فخلال أيام الذهاب والإياب من المعهد لوسط المدينة كان عزيز يرتشفها، أما أنا فكنت أشن عليه حرب إعلامية، مقتضاها كيف أن تشرب هذا الفنجان وتستمتع به ؟!!، فلونه أسود يجعلك تصاب بالكآبة المزمنة، وطعمه مر دون ملعقة سكر واحدة، وقبل كل ذلك دون أي قطرة ماء !!، مع غياب شمس ذلك اليوم كان الجو يزداد برودة، وكانت روتوروا هي الأخرى تزداد هدوءً مع تقدم الدقائق والساعات، تحركنا من موقعنا عبر تلك الشوارع الشبه خالية، كنا نمشي ونمشي حتى أصبحت بالفعل خالية، فالمحلات التجارية أغلقت أبوابها، والسيارات أتجهت لكراجاتها،
أما نحن.. فرجع صدى أحاديثنا وضحكاتنا كان هو المسموع عبر تلك الشوارع، كنا مطمئنين فعددنا قارب العشرة أشخاص، بل الخوف أصبح منا وليس علينا !!، مررنا بمركز الشرطة الذي كان بجوار تلك المحلات كأنه منها، فلم نعرف ذلك حتى...
- صوت1: متأكدين أن هذا مركز شرطة..أخاف مركز إعلانات !!
- صوت2: والله ناس رايقة ورهيبة..حتى مركز الشرطة عليه ملصقات إعلانية للشرطة !!
- صوت6: قدم شكوى...وأربح هدية (يضحك)
- صوت3: تتوقعون إللي يوزعون ابتسامات على هالملصقات من نفس الشرطة ولا فريق دعايات ؟!!
- صوت4: تخيل أنهم من نفس الشرطة..كان أسوي جريمة الحين علشان ادخل عندهم
- صوت5: ودي أعرف وش طلعك من السعودية ياصوت4 !!
- صوت9: أقول ماتلاحظون فيه شلة ماوريين تمشي من بعيد ورانا ؟!!
كان كل ثلاثاء يخرج على التلفاز النيوزيلندي ذلك البرنامج البوليسي، في تمام الساعة التاسعة أكون برفقة جاك لنتابعه سويةً، كان ذلك البرنامج يتحدث عن الجرائم في أنحاء نيوزيلندا، بحيث تعلن في نهاية الحلقة مواصفات المطلوبين ورسومات مشابهه لأشكالهم، معظم هؤلاء المطلوبين (إن لم يكن جُلهم) من الماوريين، وأيضاً تلك "الشلة" كانت ماورية، وأفرادها اللذين أصبحوا الآن بالقرب منا يحملون جميع المواصفات الجسدية، لم تطمئن قلوبنا فالواحد منهم عن عشرة من مجموعتنا التي يغلب عليها من هم دون الثامنة عشر، لم نجد حلاً إلا الإسراع في المشي نحو المجهول، أختفت أصواتنا المزعجة تلك اللحظات.. لتعلوا ضحكاتهم الشرسة،
في مدينة تخلو من آثار المسلمين،
وتحت جُنح الظلام الدامس،
تمت تلك الجريمة النكراء وراح ضحيتها سياح "نفطيون"،
وهذه الصور المشابهه للمطلوبين،
هذا ماتخيلته تلك اللحظات بينما كنت أدعو الله أن يحفظنا،
أصبحوا الآن مجاورين لنا في الجهة المقابلة من الشارع، كبيرهم ذو الوجه المليء بالوشوم هو أول من ألتفت نحونا لينطق قائلاً " من أين أنتم ؟"،
محمد كان الخبير الوحيد الذي فهم ذلك السؤال التافه، فهو يعرف طريقة تحدث الماوريين للإنجليزية، أجاب محمد ليجعلنا من بقعة أخرى من العالم، بعيدة كل البعد عن الشرق الأوسط ، رأينا ذلك البار عن يميننا تلك اللحظة، فدخلنا إليه بسرعة البرق هروباً من جو الشارع المخيف، ألتقطنا أنفاسنا للحظات،
- الحمدالله بغينا نصير "فص ملح وداب"
- إذا فيهم خير يرجعون مره ثانية (سعودي أصلي)
- أقول لو صوَّرنا وجهك قبل شوي كان تستحي تقول كذا (يضحك)
كان منظر تلك الطاولات الخضراء يغري القروب السعودي..وبالتحديد علي وعبدالعزيز..، كنا نبحث عن الطاولة الخالية ولكن جميع محاولاتنا بآت بالفشل، لحظة..أنظر لتلك الواقعة خلف العامود لا أحد هناك، أتجهنا بسرعة للإستيلاء عليها، ماإن أقتربنا منها حتى ظهر ذلك الشاب النيوزيلندي من خلف العامود الأسمنتي، كان منظره مقززاً للنفوس، نظر إلينا بتلك النظرة الحادة، ألقى ببقايا تلك السيجارة المنتنة لتستقر تحت وطأة قدميه، ضحك ضحكة ماكرة بعدما رأى علي (أقصر الحاضرين) يحاول تجميع كرات البلياردو، ليقول بعد ذلك..
- أن هذه الطاولة ملكي..فأنا الفائز على الجميع..وإذا أردتم اللعب عليها يجب أن تهزموني..
بدأنا بالإلتفات لبعضنا البعض، يبدو أننا قد وقعنا في المحك، لم يدر في خلد "علي" تلك اللحظة سوى أن هذا الشخص من المستحيل الفوز عليه، بدأ كل منا بتشجيع علي وعبدالعزيز، رغم تيقننا أن الخسارة آتية لا محالة، ولكن لن نخسر شيئاً سوى دولارين ستبتلعها هذه الطاولة من أيدينا،
- صوت1: ماراح نخسر شي ياعلي...يالله عليهم بس
- صوت2: ماحد يعرفك هينا علشان يضحك عليك..لا تخاف
- صوت3: وإذا قصدك الدولارين نخلي أبو هباش يدفعها (يضحك)
- صوت4: أحس أننا بننهزم هزيمة مالها داعي
- صوت5: أقول ياصوت4 ... لا يكثر بس !!
- صوت8: يابطل ياعلي.. تكفى كسر راس هالكيوي..ونتف ريشه (يضحك)
بعد أن عرَّفنا بأسمه (مايك) آتى من الجهة الأخرى صديقه ليشكلان فريقاً واحد، مسك كلاً منهما عصا البلياردو وأخذوا بالنظر إلينا، ألتقط علي ذلك العصا وأعطى عبدالعزيز الآخر، ألتف السعوديين حول الطاولة، وآتى بعض النيوزيلنديين ليجلسوا على الطاولة القريبة من صديقهم، رمى "المثلث" بعد أن صف الكرات..وأتجه للعب أولاً، أطلق تلك الكرة البيضاء بعنف، حتى أرتطدمت بتجمع الكرات فتناثرت كلا منها في جهة، كانت ضربة البداية عنيفة، مما جعل أصدقائه يصفقون له ويضحكون، أخذ يلعب ويلعب حتى آتى دور علي، وجَّه عصاه بتجاه تلك الزاوية، تدحرجت الكرة البيضاء بهدوء حتى أصابت الهدف، أخذ اللعب مساره بشكل تدريجي، فرصة تضيع لنا، وأخرى تضيع لهم، وواحدة نكسبها والأخرى يكسبونها، بدأ علي وعبدالعزيز بالإندماج مع جو المباراة، بعدما أكتشفوا أن المستويات متقاربة، بدأت الناس تترك طاولاتها وتجتمع حول هذه المباراة الدولية، كنا نتحمس مع كل ضربة، بدأ علي يبدع ويضرب ضرباته بكل ثقة، فالمهمة أصبحت الآن سهلة، ومع كل نقطة نحققها كنا نضحك على تقاسيم وجوه الكيويين !!، أخذ كل نيوزيلندي يسأل أقرب السعوديين منه.." من أين أنتم ياشباب ؟!!"،
الآن بدأ علي وعبدالعزيز باللعب على الكرة السوداء، أما صديقنا النيوزيلندي مايك مازال منشغل بغيرها، علت التصفيقات عندما ضرب علي الضربة القاضية، وأجهز على ذلك الكيوي بكلتا يديه، أنبهر ذلك الشاب النيوزيلندي من مستوى أقصرنا قامة، تلك اللحظات تحمس القروب بأكمله ليتشجع علي ويقول لذلك الكيوي...
- مايك..الآن أريد اللعب معك وحدك دون أشخاص آخرون (بكل ثقة)
تنحى عبدالعزيز والنيوزيلندي الآخر جانباً، وبقي علي ضد مايك فقط،
أسقط علي الدولارين في تلك الطاولة ليثبت جدارته، أبتدأت اللعبة الثانية بعد أن كسبنا الجولة الأولى، أطلق علي مهارات يديه تلك اللحظات أمام مايك، وبدأ بكسب النقاط، ومع كل كرة يدخلها كان يحدد مكان دخول الأخرى، أما مايك فكان ممسكاً بعصاه لعل الرحمة تنزل ويأتي دوره ليلعب، علت التصفيقات و"التصفيرات" السعودية..
- صوت1: تكفى خله يتأدب ياعلي..لا ترحمه
- صوت2: شباب شباب شوفو وجهه صار طماطه (يضحك)
- صوت3: تهزيء يابو حسن..والله انك خطيررر
- صوت4: شباب ماينفع نقولهم نبغا نلعب على البنات اللي معهم..إذا فزنا ناخذهم معنا
- صوت5: علشان يجون يلعبون فوق راسك ياصوت4..صفق وانت ساكت بس
- صوت8: وهذا والأرض والجمهور معهم..تصدق عاد أنهم مايعرفون شي بالبلياردو
رفع علي عصاه بعد أن أنهى مهمته بالطريقة التي تروق له، لم يكن من ذلك النيوزيلندي إلا مصافحة علي وتسليمه طاولة البلياردو، ضحكنا جميعاً على مايك المسكين، كنا نتذكر كيف كانت مشاعرنا أول مارأيناه، وكيف أثار الرعب في قلوبنا، أما الآن فقد رحل لأحد جنبات الصالة برفقة أصدقائه مطأطأ الرأس، لعبنا عدة أشواط دون أن يزعجنا أحد، لنخرج بعد مضي الوقت من تلك الصالة بكل ثقة، خرج مايك خلفنا ليودعنا متبسماً ومتعجباً في ذات الوقت،
على أرصفة روتوروا التي تبللت قبل خروجنا بزخات المطر..كنا نمشي، يبدو أن وجهتنا ستكون لمياه الينابيع الساخنة، "السبا" لقد كانت وجهتنا الأخيرة تلك الليلة، حيث تشتهر الجزيرة الشمالية بكثرة هذه الينابيع بعكس الجزيرة الجنوبية، فتاريخها يعود لأحد الكهان الذي أكتشفها قبل قرابة المائة عام، حيث كان مقره في "تاورنجا" (88 كيلومتر عن روتوروا)، حتى تُأسس عام 1972م منتجع "البولينيجيان سبا" وبدأ بإستقبال السياح، وحتى هذا الوقت يعد هذا المنتجع الصحي أحد أفضل عشرة مراكز صحية غنية بالمياه الحارة الطبيعية على مستوى العالم، صُمم ذلك المنتجع ليأخذ تلك المياه من مصادرها الطبيعية بدرجات حرارة متفاوتة، تتراوح بين 33 و43 درجة مئوية مقسمة بالتدرج على ثلاثة برك، وهناك أقسام أخرى وطرق أخرى تجعلك تحصل على هذه المياه الساخنة والغنية بالعناصر الطبيعية المفيدة، ومن فوائدها المكتشفة من قديم الزمان معالجة الروماتيزم إلتهاب المفاصل، بالإضافة إلى معالجة الآم العضلات وإنتهاءً بتنقية الجلد والإسترخاء، وصلنا هناك وقد كان أمامنا تلك الحافلات السياحية التي تقل الأجانب من وإلى "البولينيجيان سبا"، دخلنا عبر البوابة حتى توسطنا البهو، حيث يضم موظفين الإستقبال ومركز للهدايا والتبضع بالإضافة إلى محل للوجبات السريعة والعصيرات، من هناك أخذنا المستلزمات ودفعنا الرسوم، أمسك كلاً منا بشنطته الصغيرة متوجهين لغرفة تبديل الملابس،
- صوت1: فهد... فهد.. (بصوت عالي )
- صوت2: رجعوا الولد ترى راح لغرف تبديل الليدز !!
ثوانٍ معدودة لنرى فهد قادماً من آخر الممر وعلامات الدهشة تملأ وجهه، لم نتمالك أنفسنا..فضحكنا عليه وعلى منظره،
- صوت3: فهد تكفى ما نبي مشاكل...
- صوت4: فهد.. فهد.. ماعليك منهم.. تعال بس قلي وش شفت..
- فـــهد : يابن الحلال والله ماشفت شي.. أصلاً ماامداني ادخل.. حتى نظرة الفجاءة ماحصلت !!
- صوت5: خلاص شباب..يالله خلونا نبدل علشان الوقت مايروح علينا
- صوت6: صعبة نبدل هينا.. شف الناس حولنا وضعهم مزري !!
- صوت7: شباب.. مو كل شيء تطيح عليه عيونكم تجلسون تبحلقون فيه !!
- صوت8: مافي إلا نمسك طابور عند الحمامات علشان نبدل براحتنا..
أنتظر كلاً منا دوره لتبديل الملابس، أنتهينا من تلك الغرفة "القذرة" لنخرج بتجاه الينابيع الساخنة، وبما أن محمد لديه أشتراك طويل الأمد فقد كان مرشدنا السياحي، تبعناه حتى أقتربنا من تلك البركة، بدأنا بالنزول تدريجياً في تلك المياه الساخنة، كان الجو بارداً والأقتراب من هذه الينابيع بحد ذاته يجعل مشاعر الإسترخاء تداعبك..فكيف يكون الحال عندما تستقر هناك ؟!!، تلك اللحظات كانت أشبه بنقلك لعالم آخر من الخيال، عالم يجعل كل عضلة من جسمك في جهة أخرى، عالم ينسيك بأنك بالقرب من القطب المتجمد الجنوبي، ماهي إلا لحظات حتى عم الهدوء جميع أفراد القروب السعودي، البعض يبدو أنه أخذ غفوة دون أن يشعر، فسحر تلك المياه غطى المكان بأكمله، بدأنا بالإنتقال من واحدة لأخرى، حتى وصلنا لتلك التي تعد الأكثر سخونة، وهناك تم الإستعمار السعودي طوال بقية الوقت !!
يبدو أننا تلك الليلة آخر من خرج، لبسنا ملابسنا لنسّلم بعدها ماأستأجرناه ونأخذ ماأشتريناه معنا، فتحت جوالي تلك اللحظات لأجد خبر وصول رامي على الشاشة، أنطلقنا عبر الشارع وكنت آخرهم منشغل بمكالمة رامي، تفرق القروب السعودي عدة مجموعات تلك الليلة، هذا بالإضافة إلى القروبات التي وصلت هذا اليوم لزيارة روتوروا من أوكلاند، أخذت وصف مكان تواجد أصدقاء الطائرة بالتحديد، لأتجه أنا وعزيز لمقابلتهم، في تلك الزاوية حيث برجر كينح عن يمينك تمت المقابلة المنتظرة، سلمنا عليهم وقد كان برفقتهم أثنان آخرون، بدأنا بالتحدث عن روتوروا وموجات البرد التي تفاجأوا بها، أبدوا إعجابهم بصغر المدينة بالمقارنة بأوكلاند، وبدأوا بالتحدث عن أوكلاند ولياليها، وإنتشار العرب والمسلمين هناك بشكل ملفت، وبينما كنا كذلك رأينا في الزاوية المقابلة مجموعة أخرى، وألتفتنا لزاوية الشارع الأخرى وإذ بمجموعة سعوديين هناك أيضاً، والمجموعة الرابعة كانت قادمة من بعيد، لم تكن تلك الليلة كغيرها بالنسبة لروتوروا، فقد كانت تجمعات السعوديين هناك غير مسبوقة بهذا العدد، لم أظفر بلحظات ممتعة مع رامي وعبدالرحمن، فقد كانا ملتزمين بمواعيد رحلتهم التي ستنطلق لمكان آخر صباح الغد، ودعتهما على أمل اللقاء فوق أراضي الوطن، أختفوا عن مدى رؤيتي من بين تلك الشوارع، لنجد أنفسنا (أنا وعزيز) أمام السينما، آخر عرض سيبدأ بعد قليل، أما أنا فقد كنت منشغل بكتابة نص الرسالة إستعداداً لإرساله لفال ورسَّل، خرج سلطان وفهد برفقة بعض القروب السعودي من صالة السينما بعدما تأكدوا من وجودنا خارجاً، فقد كانوا يستعدون لدخول آخر العروض لهذه الليلة، تغيرت أفكاري أنا وعزيز، لنجد أنفسنا نخرج بطاقة الطالب لشراء التذاكر، حملنا بين أيدينا البوب كورن وأتجهنا لدخول الصالة، أخذنا أماكننا قبل عرض الفلم، بدأنا بالتحدث قليلاً عن توقعاتنا لمجريات الأحداث حسب البوستر الملصق في الخارج، بدأ العرض وسكت الجميع تلك اللحظات، لم تكن البداية مرضية لنا جميعاً، ولكن أنتظرنا على أمل تطور الأحداث بعد قليل، كان كل مشهد يعد أثقل دماً من سابقه، كنت وعزيز نحاول الإصغاء لعل إنجليزيتنا تنقذنا من هذا الملل، أما سلطان وفهد والآخرون فقد خرجوا من أجواء الفلم منذ بدايته وبدأوا بالتحدث في مواضيع أخرى بصوت خافت، توسط وقت عرض الفلم مدته..
- الفلم فاشل.. ولا كلفهم دولار واحد..
- أيوالله راح كله في طوابع البريد.. هذي ترسل وهذاك يقرا.. والمشكلة أنهم بنفس البيت
- أقول أنا ماني متحمل.. لو أجلس لنهاية الفلم بموت من القهر..
بالفعل خرج سلطان وتبعه فهد والبقية، لم نجد حلاً مقنعاً يخرجنا من دوامة الملل هذه، حتى خرجنا أنا وعزيز أيضاً، تلك اللحظات كان بودنا أن نهجم على الكاشير لنستعيد دولاراتنا التي ضاعت هباءً منثورا، تفرقت أنا وعزيز بعد أن أخذ كلاً منا سيارة أجرة بتجاه منزله، وصلت متأخراً تلك الليلة، أخرجت المفتاح لأفتح الباب بهدوء تحسباً لعدم إصدار أي أصوات مزعجة، دخلت لأتفاجئ بوجود فال ورسل وجاك في الصالة مستيقظين، ألقيت التحية متعجباً من هذا المنظر الغير معتاد، جلست وبدأوا يسألوني عن مجريات أحداث هذا اليوم الطويل،وبدأت بسرد أسماء الأماكن والنشاطات والأشخاص التي كنت أرددها طوال يومي حتى أحفظها، حتى وصلت لأسم ذلك الفلم الممل، وبدأت أحدث فال عنه، لأجد ردة فعل مغايرة، فقد كانت فال كمن يردد في نفسه " الفلم رائع.. ولكن مستواك في اللغة لم يجعلك تشعر بروعة الفلم يارايد"، أنتهت تلك الليلة بكل مافيها، وأستقبلت اليوم التالي بشيء من الإستقرار المنزلي، حتى أنقضى يومي بين مكالمات للأهل وجلسات في الصالة بعضها للمذاكرة برفقة جاك وأغلبها لمتابعة التلفاز، لأستقر آخر نهاري خلف شاشة صديقي اللاب توب حتى طُرق باب غرفتي، فتح جاك الباب ليقول..
- هيا هناك بيتزا بالأسفل وهي مناسبة لك وخالية من الممنوعات عليك (يضحك)
- يبدو أنك عرفت الممنوعات الآن ياصديقي
نزلت لأجد فال بدأت بالضحك في الصالة عندما رأتني، أستغربت.. وكنت أردد في نفسي " ماهي مشكلة هذه العجوز ؟!!"،
لم تجعلني أسهب في لحظات التفكير لتقول..
- أتذكر الفلم الذي حدثتني عنه ليلة البارحة يارايد ؟!!
- نعم مابه.. يبدو أنك شاهدتيه هذا اليوم !!
- نعم لقد أخذت أمي "العجوز الكبرى" في رحلة تسوق وبعد ذلك مررنا بصالة السينما لنشاهده بالذات..
- ومارأيك ؟!!
- في الحقيقة يارايد.. قلت لأمي ليتني سمعت كلامك.. فقد كان بالفعل ممل
- الآن يجب أن تثقي أنتِ ورسل برأيي مرة أخرى (ضاحكاً)
- لقد كانت أمي كل لحظة تضربني بيدها مع جنبي لأستيقظ.. فقد كنت أغفو بعد كل عدة مشاهد !!
ودمتم![]()
مواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك:
- ألف ألف مبروك لكل من تقدم للمقابلة الشخصية
- جاني قبول من ثلاث جامعات
- فندق
- رحلة الى نيوزيلاند اوكلاند
- شهر العسل بنيوزلندا
- لسه جاي من نيوزلندا
- ممكن تكون نيوزلندا
- المساعده ياشباب ضروري
- فزعتكم غشيم ويريد الانجليزيه ؟؟؟؟؟
- من يعرف عائلة قد تستضيفني في ابتعاثي لمدينة اوكلاند
- سلبيات و إيجابيات اخواننا المسافرون إلى نيوزيلندا ؟
- تكاليف دراسة اللغه في نيوزلاندا
- من يستطيع ان يجاوب على هذا السؤال ؟
- ارجوا المساعده
- ∫∫»§™رحلتـي إلى الجمـال البديــع √نيوزيلنـدا√مرفقـةٌ بـ حلقاتٍ لـ التحميل™§«∫∫
- بلييــــــــــــــز مساعده قبل ما يطيح الفاس على الراس
- استفسار وش قصة التسجيل بالملتقى حق الوزارة
- رحلتي بتاريخ إلى أوكلندا
- كره القدم في أوكلندا
- لمن درس في أوكلاند استفسار بسيطه
المفضلات