....
الظلام.. يلف أجواء الغرفة المعتمة..لم يكن هناك بصيص نور غير القادم من أسفل الباب..وقد القي بجسده فوق ذاك السرير يشعر ببرودة لم يعتدها من ذي قبل..ينظر إلى أعلى سقف برزت تشكيلات الجبس كشبح يقبع فوق لا يريد النزول أبدا ..مرر يداه نحو وجهه وراحت أنامله ترتجف وهي تتحسس ذاك الموضع..وطاف به الأمس البعيد..عندما كان يافعا يسخر من دنياه ومن حوله من البشر لا يكترث لمشاعر احد.. كان يعشق الحرية والهمجية الجوفاء..لم يكن واعياً لهذه الآية(وان ربك لبالمرصاد)..كان يملك الكثير..المال ..الشباب..العائلة..والطيش.... آه من ذاك الذي يتربع على طموحاته وآماله..الطيش الذي امسك بيده وتصاحبا معاً ليعلنا على الملأ طقوس التمرد والفوضوية ..وتسابقا ايهما يصل إلى نهاية ذاك النور الزهو والكبرياء..حتى إذا ما وصلا..تخلى عنه الطيش وأسقطه في بئر الندامة..ليخرج شابا قد أكلت النار أجزاء من جسده وأذابت جمال وجهه إلى صورة اقرب فيها للمسخ..وغاب عنه من ظنهم رفقاء الدرب والذين تخلوا عنه بمجرد سماعهم للخبر الأليم.. ظل حبيس الدموع والظلام أيام لا يتواصل فيها مع العالم الخارجي إلا من خلال أمه المكلومة ..والتي كانت تحثه على تخطي هذه المرحلة الصعبة في حياته وان يكسر حواجز ألا مستحيل ويمضي قدما نحو أهداف رسمها قبل الفاجعة..هذه الكلمات وهذه التضحيات أحيت بداخله شعورا ظنه قد مات منذ الأزل..ونهض ينفض غبار التعاسه ويحيل حياته إلى نجاحات متتالية في الأوساط الاجتماعية والاقتصادية..لكن كل تلك النجاحات لم تنجح فهيئته وقبح وجهه مصدر اشمئزاز الكثيرين. وكان يلحظ ذلك ويخفيه بألم..

وفي.. يوم باغتته أمه بسؤال ظنه ضرب من الجنون ام تحاول أمه أن تتلاعب بمشاعره التي أوصد الباب عليها ولم يعد يفتح غير بكائه عندما ينعزل في أقصى غرفته يندب بصمت.. ولكنها كانت مصرة أن يكمل نصفه الأخر ويتزوج من فتاة اختارتها له وتعرف بمعاناته وهي راضية بذلك. تدفق الحب والحنو على هذه المسكينة التي ستبتلى بأبشع رجل عرفته ولكنه اقتنع أن يرضى بنصيبه واختيار أمه المتلهف. ولن يفجع بجواب لم يألف سماعه فقد هيئ ذاته لمثل هذه المواقف.كانت الزغاريد تملئ أرجاء البيت المكتظ ..وكانت تجلس في غرفته امرأة غريبة لم يألفها قط..وراحت تحني رأسها باستحياء بعد أن سمعت صوته وخفضت برأسها أسفلا تدعك أناملها بتوتر..اقترب منها وأزاح غطاء ابيض ليكشف عن وجهه عشقه من الوهلة الأولى.. وأردف قائلا(ما أجملك)..ورفعه إليه لكن! كانت نظراتها كغير النظرات التي اعتاد عليها..وأحس بان في الأمر خديعة..وانطلق إلى أمه مسرعاَ يستوضح امرأ لم تشرحه له..وانسابت منها دموع غزيرة وأخبرته بأنها اختارتها حتى لا تتفوه في يوم وتجرح كبريائه.. فهي عمياء ولن ترى منك غير حنانك وحنوك وزوج تحبه حتى الثمالة..ورضي بما قسم له ..وعادت السعادة ترفرف في البيت من جديد..ام وزوجه تحبه ينتظرانه عندما يعود إلى بيته بعد عناء العمل.
غاب عنه الكثير من أمور كانت تؤرقه وتنغص عليه مضجعه وبدأت دنياه تتلون بالوان الربيع القادم بسعادة..فهو ينعم براحة بال بحث عنها في كثير من الاحيان وحب زوجه طيبة راضيه بقدرها يأمل أن يتممه طفلٍِ يضفي السعادة الخالدة لهذا البيت الصغير..
كان ذاك اليوم مميز له ففي هذا اليوم حدثت مفاجأة له لم يحسب لها حساب..فجأة سمع ارتطام جسد من أعلى الدرج وهرول مسرعا ليجد زوجته ورفيقة دربه قد تدحرجت واقعة على الأرض بألم فأخذها مسرعا
نحو المستشفى ليأتي خبرا كالصاعقة..يوجد نزف دموي تحت الجيوب الانفية والمنطقة المحيطة ولابد أن تخضع لعملية لإنقاذ حياتها..وبلا مقدمات أو شعور يقدمها لهم تحت مشارطهم وسكاكينهم، لتعيش أمله وحياته وروحه التي تسري في جسده..ومرت ساعات وهو لا يعلم كم من الوقت مر عليه وهو يبتهل إلى الله أن يعينها ويساعدها لتعيش له فهو عشقها أحبها ويريدها أن تبقى..
وذات صباح استدعاه الطبيب لمعجزة حدثت وليس على الله بغريب..وكان يتوقع حملا قدحدث ،لكن رحمة الله سابقة في هذا الأمر حتى إذا ماد خل غرفتها وجد أهلها يتحلقون حولها ومعهم والدته التي أطرقت رأسها أسفلا وعينان ترمقانه بوجل وهو يعرف صاحبتها جيدا..وفجأة سمع صرخة لم يألفها قط..مرددة(هذا زوجي..لا)..دارت به الدنيا وأراد السقوط لولا أن تماسك وأزره الطبيب وشد من عزيمته أيفرح ام يحزن كلها أمور قد غيرت منه الكثير..هاهي معجزة ربانيه تحدث في أيام قلائل وهاهي تشمئز منه هي الأخرى وهاهو يتآكل ويتحطم كزجاجة هشة لم تقاوم سخونة الموقف.

.طوى يومه بل شهره وهو يعيش في خواء..لا يستشعر الحياة بعد أن رحلت عنه.. وهو يجالس ذاك السقف الذي الف شبحه في عتمة الظلمة يتحسس وجهاً بصم الزمن عليه أن يكون منبوذ حتى من اقرب الناس إليه..وراح يغمض عينين بكت حتى الألم..ليأتي صوتا متهدجاًَ أحب صاحبه وعشقه (الم تشتاق لي) واعتدل في وضعه ليجدها إمامه شحما لحما لا بل خيالها الذي أسره..لكنها تقترب منه وتلقي بجسدها عليه..وتبكي بمرارة مرددة احبك فلا تتركني..
احتضنها وهو غير مصدق وراح يشم خصلات شعرها العطر لتباغته ..سيأتي ابننا قريبا..يرفع وجهها إليه لتنحدر دموع الفرح من مقلتيه فتمسحها بأناملها..وتضيف لا احزان بعد اليوم يا زوجي الغالي الجميل..
انتهت..
بقلمي الوديع..
مواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك:
المفضلات