أخي العزيز المبدع محمد ...
عذرا على التأخير ولكن الأبداع يوجب حقه في التأني بالإستمتاع به!
التفت نحوي وسرعان ما تلاشت تلك الابتسامة من على شفتيه، ووضع يده على السلاح المعلق على صدره، واستعد لمقابلة هذا الإرهابي القادم نحوه.
أعجبني التصوير الدقيق لكل من حالتيكما أنت وذلك الضابط !
قلت وأنا أعيد ترتيب أفكاري مذكرًا نفسي بأني ربما نجوت من الإعدام ولكنه مازالت أمامي محاكمة ربما تنتهي بالمؤبد.
تفاؤل يطمئن النفس ولو مؤقتاً
شدني ماقامت به ، فقد استخدمت كلتا يديها المغطاتين بالقفازات حيث وضعت يدها اليمنى أسفل الكتب واليد الأخرى أعلاها ثم قامت بحملها بكل حرص وعناية كأم تحمل طفلها البكر لأول مرة، حتى وضعتها على الطاولة، واعترى وجهها تعبير يجمع بين الرهبة والحرص ... لم أقاوم فضولي كثيرًا فخرج مني تساؤل :
- لماذا حملتي هذه الكتب بهذا الطريقة!
نظرت لي باستغراب وكأني أسأل عن شيء بديهي وهي تقول :
- أليس هذا القرآن الكريم ؟؟
أذكر عندما أهديت أحد الطلاب الصينين نسخة من تفسير القرآن الكريم, ملامح الدهشة والذهول وهي ترتسم على محياه . فقد تردد في أخذه و أصابه نوع من الخوف قليلاً وعندما أخذه إنهمرت أسئلته علي عن الطريقة التي يجب عليه أن يقوم بها للمحافظة عليه !
عندها فقط .. نسيت كل تلك النظرات والتهكمات، وزال كل تأثير أحدثته تلك الابتسامات الصفراء والزرقاء، وحل مكانها نوع عجيب من الثقة المطلقة بشأن من هو أنا، وماذا أمثل بالنسبة لهم، وعظم ما أؤمن به، والفرق الشاسع الهائل بيننا، وكم يجهلون من نحن وما هي مبادئنا وأخلاقنا، و كم نحن مقصرون في إبلاغ رسالتنا، وعقدت العزم على أن لا أرضى هوانًا وأن افتخر وأظهر عزتنا مادمت بينهم.
صدقت بما شعرت به. فرغم كل نجاحاتهم وتفوقهم في أغلب المجالات, إلا أن ذلك لا يخفي مبادئهم الهشة والسريعة الكسر.
وعندما خطوت أولى خطواتي خارج أرض المطار، لفحني هواء بارد منعش لذيذ، استنشقت الهواء العليل متبسمًا، وأخذت أتأمل قرص الشمس يختبئ خلف تلالٍ خضراء، والسحب ترسم أجمل اللوحات في السماء الزرقاء، أدركت حينها بأني وصلت،
أغمضت عيني للحظة وأنا استرجع ماشعرت به قبل 3 سنوات على نفس الأرض وربما نفس الشعور!
وبعد تخطيط دام لأكثر من سنتين،
يارايق !
أتمنى بأن تكون هذه الرحلة جميلةً كما خططت!
الهدوء يلف المكان، فلا أحد من البشر حولي، أخذت أتأمل قرص الشمس يتهاوى نحو الأرض، متسائلاً نفسي هل يرى الأحبة نفس الشمس التي أراها !!
الله ما أجمل هذا التساؤل البسيط في شكله و العميق في معناه ... بصراحة لقد أجدت وصف اللحظة ...
التفت تحادث صاحبتها بأسرع لغة سمعتها في الكون!! ، فمن المشهور عن النيوزلنديين أنهم أسرع من يتحدث اللغة الإنجليزية، وخصوصًا عندما يتحدثون فيما بينهم.
كنت أظن أنني الوحيد الذي يشعر بذلك!
عندما عدت إلى مقعدي، وجدت أنه قد احتل من قبل مجموعة من العجائز اليابانيات، بقبعات حمر وصفر، ومعهم مرشد سياحي يتحدث معهم باليابانية، تعجبت من نظراتهم الموجهة نحوي، والمرشد يشرح بحماسه، وكل المجموعة تختلس النظرات نحو المقعد الذي جلست فيه، يبدو أني أصبحت جزءًا من برنامجهم السياحي، منظر فريد لشرق أوسطي !!
أعجبني هذا الوصف!
وشكرًا لاختياركم كوانتاس! وبالفعل كنت أملك حق الاختيار .
هذه على الوتر الحساس!
كانت التجربة مثيرة، فكل شيء معكوس. بل كانت مخيفة في أحيان أخرى، وخصوصًا عندما تقابلك سيارة أخرى على خط مزدوج، فكل يسير على طريق الآخر!!
بعد رحلة طويلة وعلى أكثر من طائرة و مطار ثم أسلوب قيادة مختلف ... اؤيدك بأنها تجربة مثيرة وفريدة!
-0 اجلس ... ولا تقلق .. فأنا طباخ ماهر.
لا تعليق!
أخرجت سجادتي من حقيبتي، وبعد أن أديت الصلاة، تكورت على سجادتي والتحفت معطفي، وغفوت في نوم متقطع من شدة البرد.
قمة الإحباط
كرهت كل شيء،
صاحب الوكالة.
وفكرة السفر،
بل حتى المدينة،
وعزمت أن أضع حدًا لهذا.
ولك الحق ... فبعد تخطيط سنتين .. و مفارقة الأهل والأحباب ... تجد نفسك في وضع كهذا ...
توجهت نحوه متأملاً ابتسامته العريضة التي تزيد وجهه قبحًا، وأقول
في نفسي الآن يا محمد ... إما أن تعلن موقفك الآن .. أو فلتصمت لبقية حياتك . وقلت بجدية وعينان تقطران حزمًا:
- ليلتي !! لم أستطع النوم البارحة، والسبب قذارة الغرفة، يبدو أنني سأقصد فندقًا هذه اليوم، وسأنام هناك. وفي الغد سأخبر المعهد بأني أريد مكان آخر أعيش فيه.
حسنا فعلت بأن اعترضت و لم تترك الأمور على سوئها.
وبكل ما أحمله من يأس، وضيق وقلق و توتر ...
وضعت رأسي المتعب على الوسادة، ودموعي تسابقني،
أهكذا أيتها الحبيبة تغدرين بي؟
هل أستحق هذه المعاملة؟
أين حسن اللقاء،
أين المحبة،
أين المودة،
بل ...
أين أنتِ؟
أهكذا كان شعورك قبل أن تصل إليها؟ أم أنه شعورك بعد مفارقاتها؟
وهتفت في داخلي يا رب يسر لي أمري، فأنا وحيدٌ غريبٌ بينهم، لا دين يجمعنا ولا لغة تقربنا
وجميع المسلمين يارب ... آمين
دخلت من الباب، مقدمًا قدمي اليمنى تفاؤلاً، أخذت نفسًا عميقا وأنا أرقبُ من بالداخل.
(تفاؤلوا بالخير تجدوه)
جلت ببصري في المكان، أرقب الوجوه الغريبة، عينان ضيقتان، شفاه رفيعة، شعر أشقر، لم أجد شيئًا مألوفًا، كل شيء غريب، كل شيء مستورد !!
ضحكت ... لشعوري بموقفهم منك انت ... فأنت مستورد أيضاً على الأقل بالنسبة لهم!!!
-مرحبًا بك يا أخي.
أخي !! ... يالها من كلمة يا عذيب،
لقد أصابتني في مقتل، وتهاوت معها كل حصوني المنيعة، واقشعر جسدي و أحسست بماء بارد من الطمأنينة ينصب عليّ، وكان همًا انزاح عن كاهلي المتعب، فهناك مفردات جديدة لم أكن أشعر بمعناها من قبل، ولم تكن تؤثر فـي نفسي مسبقًا، فكلمة أخي ... أعادت التوازن لحياتي الجديدة، فلست وحيدًا،
بل معي غيري ، و بمفهوم لم أدركه مسبقًا ..
إنه الأخوة ...
فعلا هي كلمة بسيطة نقولها كثيرا وتمر على مسامعنا أكثر ... ولكن لا نتوقف عند معانيها كما فعلت ...
أرهفت سمعي لصوت آخاذ ينادي لصلاة الظهر، مبخرا كل أثر أحدثه لقائي مع بوب ،
وتردد صدى الأذان في داخلي، وبدأ يغسل ما بي من هموم الغربة وآلام الوحدة،
لم أكن أتصور أن تهز هذه العبارات كياني،
أرخيت سمعي لها، متشرّبًا لمعانيها ...
الله اكبر ...
الله اكبر ...
لا إله إلا الله
ما أجمله من شعور !
وأنا الوهابي القادم من معقل الوهابية
؟؟؟؟
و مع استخدامهما لمفردات مثل سوف نغير !! و سندبر لك !!
ثار بركان من الأسئلة داخلي ...
كانت الأسئلة تتلاحق بسرعة ولا أستطيع أن اشفي غليلي بالإجابات!
فما سر نون الجمع في نغير وندبر!! ؟
هل أنا في خطر؟
هل ورطت نفسي مع تنظيم ما؟
هل هذا نوع من التجنيد لحزب أو لفكر معين؟
هل سينتهي بي المطاف أحمل حزامًا ناسفًا ؟
وأدخل مجمعًا ما ...
وبعدها يتحول كل شيء إلى رماد!!
اسلوبك أكثر من رائع في التشويق الذي لا أحبه !!!!
وكعادة السعوديين في الأماكن العامة،
أخرجت جوالي ،
وبدأت اعبث بأزراره.
[COLOR="Navy"]!!!![/COLOR
]
من قال أن الظروف تحدد مصيرنا؟
فلم أكن مجبرًا ...
فالأبواب مفتوحة ...
و الخيارات متاحة ...
فهل سأكون من الأخوة أم من العيال ؟
حددت ما أريد ...
واخترت ..
إختيارك واضح و صريح و موفق ...
شحذت قدراتي الصوتية المتواضعة بنحنحة وأنا أدير مكبر الصوت الداخلي إلى وضع التشغيل، و أشتعل معه كل توتر بداخلي، حاولت أن أسيطر عليه بنفس عميق و الشد على قبضة يدي، ولم أدع لنفسي الفرصة للمزيد من التمادي فسرعان ما شرعت بالأذان.
كانت الكلمات تنساب مني بسهولة وتأثيرها يهز كياني،
كنت الوحيد الذي ينادي أكثر من 30 ألف مسلم،
وفي مدينة لا تعرف أي معنى لهذا النداء،
ولا أهميته،
أتمنى بأني أغبطك ولست أحسدك !
عزيزي محمد واصل فنحن نعشق المتعة !!!
بإنتظارك...
المفضلات