۩ الحلقة الثانية ۩
هذا هو يوم السبت التاسع والعشرون من شهر رمضان المبارك لعام 1430 هـ والموافق للتاسع عشر من شهر سبتمبر ..
أصبحنا وأصبح الملك لله ..
الحمد لله الذي احيانا بعد ما أماتنا و إليه النشور ...
بهذا الحديث استهللنا هذا اليوم ... صائما لله تعالى .. أما صاحبي فقد أفطر عاملا بالرخصة في السفر .....
انطلقنا باتجاه حي السديرية للتزود ببعض الأغراض ولكن كانت كل المحلات مغلقة من أجل صلاة الظهر ...
فاتجهنا إلى محطة ساسكو على طريق المنفذ وأخذنا بعض الأغراض التي أخرنا أخذها من الرياض متعمدين حتى لا تفسد علينا في الطريق ...
وصلنا المنفذ السعودي .. وختمنا جوازاتنا وخرجنا السيارة بمنتهى السهولة واليسر ..
ثم دخلنا المنفذ الأردني .. وكان المكان شبه خالي إلا أنك تتفاجى من كثرة البيروقراطية في العمل ..
فتجد أنك لابد أن توقع حوالي خمس أو ست مرات .. من أماكن مختلفة ..
ثم صرفت عشرة دنانير لأجل التأمين ..
وقد حصل موقف طريف ... فلما أردت أن أصرف النقود ..
قال لي الموظف وقد كان شابا في بداية العشرينات " أحسن يالشايب "
.. عشرة دنانير بستين ريال !!! ..
فقلت بأن سعرها خمسة وخمسون ريالا وليست ستين ريالا .. فقال .. لا... السعر تغير ..!!
فأعطيته ستين ريالا وابتسمت له وقلت :
الله المستعان بل الناس هم من تغيروا ليست النقود ...
فابتسم خجلا وأعطاني عشرة دنانير وأرجع لي خمسة ريالات ..
وقد حرصنا في الأردن على عدم مجاوزة السرعة القانونية وهي 100 كلم/ساعة للسيارة الصغيرة و 90 كلم/ساعة للشاحنات !!!
لعلمنا المسبق بترصد المرور للمركبات المسرعة ..
ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا .. فقد تجاوزنا تريلة وكان هناك رادار لم نشاهده .. وما هو إلا قليل حتى أوقفتنا دورية أردنية مرحبة بنا.. فلما تلاقينا على سفح رامة **** وجدت ضوء الدورية أحمرا
وأوقفوا مواطن أردني قبلنا وأعطوه مخالفة بعشرين دينارا .. أي بحوالي 110 ريال ..
فما تناقشنا معه قال بان سرعتكم هي 117 .. فقلت نسأل الله أن يحاسبنا حسابا يسيرا ..
وهذه السرعة غير مقصودة بل كنا نتجاوز تريلة فزدنا السرعة فقط . .
فقال لابد من المخالفة .. فقلت : الله يكتب الذي فيه الخير .. فقال كم تساوي المخالفة بالريال ؟
فقلت تقريبا 110 ريال .. فقال هات خمسين ريال وتوكل على الله ولا تسرع مرة أخرى ...
فأعطيته 50 ريالا .. وأسأل الله ألا يؤاخذني على ما حصل ..
وقد واجهنا في الأردن موجة من الغبار ومن دوامات الغبار ...
وكانت تزداد كثافة الغبار كلما اقتربنا منه
حتى إن صاحبي قد قل حماسه للشام بعدما رأى هذه الموجة من الغبار
ثم دخلنا في الغبار فصار مثل الليل قد لفّ المكان ..
ثم ختمنا الجوزات من أجل الخروج من المنفذ الأردني .. وأنهينا إجراءات خروج السيارة ..في منتهى اليسر والسلاسة .. فجزاهم الله كل خير ..
وقد كنت أتناقش مع صاحبي خصوصا وانه مدير لشؤون الموظفين في مستشفى وأغلب الموارد البشرية عندهم من الأردن
فكنا نتحدث عن كفاءة العقول الأردنية في العمل .. وإنتاجيتهم العالية .. واحترافيتهم في إنجاز الأعمال ..
فذكر لي العديد من القصص من واقع عمله .. كلها تؤكد هذا المعنى ..
كيف لا وقد كنت قرأت قبل فترة بأن نسبة المواطنين الذين يحملون شهادة البكالريوس في الأردن قد قاربت على الستين في المائة !!!
وهذا إنجاز نفخر به كلنا وليس الأخوة في الأردن فقط..
فأنا أكنّ لهذا الشعب المعطاء الكثير من الإحترام ... لأنهم أهل لذلك ..
ثم دخلنا المنفذ السوري وعبئنا كرت الدخول وقد أضافوا كرتا جديدا كصاحبه الأول ليس له أي فائدة خاص عن انفلونزا الخنازير ..
ثم ختمت الجواز وكان الموظف صاحب طرفة ونكتة .. فقال إلى أين أنت ذاهب يا أخا العرب ..؟ فقلت إنني ذاهب لأقاتل بني الأصفر ...
فضحك كثيرا وودعناه بابتسامة ...
ثم ذهبنا لتسجيل السيارة وقد دفعنا ما يقارب 680 ريال كرسوم تربتك مؤقت لعدم وجود دفتر تريبتك .. و مبلغ 1500 ليرة كرسوم جمرك ..
وقد اختلفنا على رسوم الجمرك لأنني طلبت إيصال أو طابع يثبت نظامية هذا المبلغ ..فخرجت من الحجج والأعذار ما الله به عليم ...
فتركتهم بعد أن أحتدم النقاش بيننا وبعد أن حضر الضابط المسؤل وحاول تسوية الوضع خصوصا وان الصوت قد ارتفع ... دخلنا حدود درعا .. وكان الجو رائعا بديعا ..
وكانت الغيوم في كل مكان .. فتفائلنا بالسفرة كثيرا ..
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل ..
وكان الجو بديعا أخّاذا

وأعتذر عن البقع التي ترونها على زجاجة السيارة ..
ولكن هذه تقنية يابانية جديدة مبتكرة .. لتساعد قائد المركبة على القيادة في الظروف المناخية المتقلبة والصعبة ... !!!
تعرفون لازم الفلسفة في كل شيء .. ولكن الصحيح أنها من أثر الفراش في الليل ..
بفتح الفاء .. حتى لا تُقرأ بكسر الفاء فيظن قارئ أننا نمنا على كبوت السيارة البارحة...
وقد واجهنا من درعا إلى دمشق ثلاثة حوادث سيارات ..نسأل الله ألا يوريهم مكروه ... والذي يبدو أنهم كلهم في عجلة قبل الإفطار .. ولكن رب عجلة تهب ريثا ..
وأذكر قصة قرأتها مرة في سيرة الشاعر طه حسين ..
أنه كان ذات مرة مع أحد أصدقائه في سيارته وخاطب صاحبه السائق بأن يستعجل حتى يصلوا بسرعة ...
فقال له طه حسين : لا تستعجل حتى نصل بسرعة ....
ثم دخلنا دمشق قبل أذان المغرب .. وقد تذكرت حينها قصيدة " سلام على دمشق " للشاعر المرهف خليل مردم بك حينما التقى بحبيبته دمشق بعد أن أمضّه طول الفراق :
تلاقوا بعدما افترقوا طويلا **** فما ملكوا المدامع أن تسيلا
بقـية فتية لم تبـق منهم **** صروف زمانهم إلا قليلا
دمشق ولست بالباغي بديلا **** وعن عهد الأحبة لن أحولا
ذكرتك واللهيب له ومـيض **** ينشر من شائقه ذيولا
فأفطرنا في السيارة .. فكانت معنا القهوة والتمر ...
ثم تمشينا قليلا حتى مررنا بحي جرمانا أو مخيم جرمانا .. فأصر صاحبي على العشاء في هذا الحي .. وقد رفضت ..
ولكن الزمان دول .. فمرة لك ومرة عليك ..
دخلنا الحي .. وتعشينا في مطعم النافورة .. وقد كان عشاءا لذيذا .. أكلنا ولله الحمد ..
وسأهدي لكم هذا الطبق الذي أقدره كثيرا ..
وهذه صورة أخرى من زاوية ثانية ..
وهذه صورة لأكلة أعشقها في الشام حتى الثمالة .. وهي الحمص باللحمة
لأنها في الشام حاجة تانية
ثم حاسبنا وكان الحساب تقريبا 750 ليرة .. ثم نزلنا نغسل ...
وقد كانت المغاسل مشتركة بين مطعم النافورة .. وبين مطعم راقي بجانبه .. بطريقة ذكية ورائعة .. وكانت المغاسل في القبو ..
فرأيت منظرا آلمني أشد الألم ...
وجدت أما مع أطفالها جالسون يتناولون طعام الإفطار من بقايا أكل زبائن المطعم ...
وكان صاحب المطعم جزاه الله خيرا يجمع لهم الأكل النظيف بعد الزبائن ويعطيهم ..
فوالله لقد ضاقت علي الدنيا بهذا المنظر .. ولم أستطع النوم ... فكلما وضعت رأسي على الوسادة ..
تذكرت حياء الأم لما رأتنا .. ونظرة البراءة في أعين الأطفال ..
فعلمت أننا نعيش الأنانية بكل معانيها ..
ووالله لو اقتصدنا في أمورنا .. وخصصنا جزءا دائما من أموالنا ولو قليلا ..
لما رأينا من إخواننا محتاجا ..
ولكن غابت عنا روح الجسد الواحد ...
فإن الواحد منا ينفق أموالا طائلة في أمور لا طائل منها ..
وعند الإنفاق في سبيل الله .. يحضر شح النفس ...
وإن الفائض من بعض المناسبات .. لو اقتصدنا ليكفي مؤونة أسرٍ كثيرة ..
أعتذر عن الإسهاب في هذا الموضوع ولكني أرى أن أخذ العبرة والفائدة من السفر هو من أهم أهداف السياحة ..
هل من يعين على التجلد ساعة **** فمع الدموع تجلدي قد سالا
طفل بجوف الليل يبكي عاريا **** نال الضنى من جسمه ما نالا
مـا راعــه إلا دنــوي نحوه **** كالفرخ ريع لكاسر قد صالا
ثم خرجنا من جرمانا ولم ننتبه للوحات التي تمنع عكس الشارع ...
فاستوقفنا شرطي .. وقال بأننا قد عكسنا الشارع ...
فأخبرناه بعد معرفتنا للمنطقة .. فبدأ بحركات معروفة دائما ..
بأن السيارة لابد أن تحجز وأن المخالفة قيمتها 7000 ليرة وأن السيارة ستبقى في الحجز حتى نهاية العيد وبداية الدوام الرسمي ..
وقد كان صاحبي لا يحمل رخصة القيادة خاصته ..
فقد ضاعت منه وهو في الرياض ولم يكن معه إلا صورة لها ... وأصل التبيلغ بفقدانها ..
وقد أطال العسكري اللت والعجن معرضا بأن ندفع له ..
ولكن طبقت معه مصطلح جديد خطير... وتقنية جديدة مبتكرة ..
فعالة جدا في مثل هذا المواقف ..
هذه التقنية تمسى " تقنية الذكاء الإستدلاخي " .. فجميل أن تكون أحيانا أغبى واحد في الشرق الأوسط ..
وتارة تكون ذيبا أمعطا ..
وبينهما شعرة دقيقة لا يجيدها إلا القلة !!!
وهذه لها أصل عند العرب فقد قال الشاعر
ليس الغبي بسيد في قومه ****** ولكن سيد قومه المتغابي
فلله در العرب .. فهم دائما سبّاقون في كل الميادين !!!
فقد قابلته بوجه " ابن فهرة " مع العذر الشديد ل " ابن فهرة " ولكنها جرت بوجهه الميمون الأمثال ..
قابلته بوجه بارد ..يجعل الحليم ينفجر غيضا وحنقا ...
وكأني لم أعرف المقصود من السالفة .. فقال لي في النهاية " ماذا تريدون أن أفعل بكم ؟
فقلت : أن تعطينا الأوراق ونتيسر ...
فأعطاني الأوراق وقد أرتفع عنده السكر والضغط واضطرب القولون...
وقال : خذوا أوراقكم لا تعيدونها مرة اخرى ....ولا عاد أشوفكم مرة ثانية !!!

ثم انطلقنا إلى طريق بيروت الدولي قاصدين بلودان والزبداني ومضايا وبقيّن ..
حتى وصلنا منطقة مضايا .. فاستأجرنا شقة لمدة يومين ب 3000 ليرة ..
أي اليوم بألف وخمسمائة ليرة .. وبحق فقد كانت شقة ممتازة تتكون من ثلاث غرف نوم وحمامين ومطبخ ..
وقد كانت بحق شقة جميلة مرتبة ..
ونبدأ الصور من المطبخ .. المكان المألوف طبعا عند أي متزوج

وهذه سكرية .. موجودة في المطبخ .. ولكنها تحفة فنية
وهذا مدخل الشقة والصالة
وهذه نظرة جانبية على غرفة النوم
وهذا المجلس
وهذه دورة المياة أكرمكم الله
وهذه صورة للبلكونة .. وفيها راقم هذه الأحرف ..
- مقتبسة من حبيبنا السائح الهروي -
يكتب مذكراته التي غطت بشهرتها الآفاق

ثم أعلنوا في وسائل الإعلام أن يوم العيد هو يوم غد الأحد .. وقد كان إلإحتفال بالعيد بهذه المنطقة مميزا ..
فإنك ترى الألعاب النارية طوال الليل .. وقد كان صوتها يملآ علينا المكان ..
وصارت السماء تتنور بألوان جميلة .. فتارة تأتيك الألعاب النارية من بلودان وتارة من الزبداني .. وتارة مضايا ..
فتشاهدها تنطلق من كل مكان .. فتحس أن الناس هنا يحتفلون بالعيد أيما أحتفال ....
وترى المطاعم والمحلات فاتحة أبوابها حتى ساعة متأخرة من الليل ..
وترى الحياة هنا في كل مكان
ثم ذهبت إلى شركة سيريتل واشتريت خط جوال وقد كان قيمة الخط مع رصيد 1200 وحدة بحوالي ألف ليرة ..
ثم كلمت بعض الأقارب وزوجتي وطمأننتهم على سلامة الوصول ..
ثم اشترينا بنّ لنعمل قهوة تركية .. وقد حمصوها امامنا وتم طحنها مباشرة ..
فكانت ذات رائحة مميزة .. وطعم لذيذ .. ثم شربناها على البلكونة ونحن نرقب احتفال الناس بالعيد ..في جو بهيج ..
في جو تزدان فيه السماء بشتى الألوان ..
وقد تبادلنا الحديث في هذا الجو الرائع ..
وكان جل حديثنا حول سبب تأخر البلاد الإسلامية رغم أنها تملك كل مقومات التقدم والرقي ..
ولديها من التاريخ ما يحكي بأنها كانت رائدة في الحضارة ..
وصرنا الآن في أخر الركب ..
وقد كنت أرقب الأفق ..
فأرى ضوء البرق قد أحال السماء إلى لوحة بديعة من صنع الخالق ..
وترى أضواء الألعاب النارية .. تناغم البرق .. وتخطب وده ..
بمنظر يأسر النفس .. خصوصا وأنت تشم رائحة المطر العبقة ..
فترقص النفس جذلي منتشية ..
ووتتزاحم الأحرف على ريشة قلمي ..
كلها يريد أن يلقي نفسه كقصيدة في جمال صنع الخالق..
This is
CNN
We Will Back Soon … After This Cartoon
معليش بس الواحد متأثر بالأخبار شوي ... ومع توم وجيري ..
وإلى لقاء قريب في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى ....
وقفة :
فلنعلم أننا أمام مشكلات الأمة ...
إذا لم نكن جزء من الحل ....
فنحن حتما جزءٌ من المشكلة ...
المفضلات