اليكم يا أحبتي الجزء السابع

انتهى شهر ديسمبر ومن يعيش في لندن هذه الأيام سيشعر أنها عادت الى الحياة من جديد. خفت البرودة ....عاد الناس من غجازاتهم ....بدأت الدراسة في جميع مراحلها. فتحت كليتي ايضاً أبوابها وعدت الى روتين الحياة الأكاديمية من جديد حضور المحاضرات والذهاب الى مكتبة الكلية لإعداد البحوث ومحاولة اكتشاف عالم لندن في المساء مع بعض الرفقاء.
صورة من نافذة غرفتي


صوره لي في الفصل وقد تم طمس بعض المعالم ، على اليمين احد الطلبه من المغرب واسمه عبد
اللطيف وعلى يساري الدكتور المستشرق بروس انغهام


بالنسبة للسكن وعلى الرغم من مميزاته إلا أنه لم يخلُ من بعض المواقف أو المشاكل . فمرة وقفت أمام شباك المسؤولة عن السكن حتى أعطيها بعض المعلومات . وبينما كنت أبحث في جيبي إذا بها تغلق الشباك وتذهب دون اعتذار ، ودون الإحساس بأن الواقف أمامها بشر . من هنا بدأ شعوري يقنعني بأن الناس هنا يتعاملون مع الآخرين من غير مشاعر .
بعد مر ور عدة أسابيع من سكني بهذا النزل ، لاحظت عدم ورود اتصالات لي وهنا أدركت أن موظفة السنترال لا تقوم بتسجيل الرسائل التلفونية الوارده. كتبتُ شكوى إلى المدير المناوب وقتها عندما أيقنت أن هذه ليست مشكلتي فقط . اعتذر ووعدني بعدم تكرار هذا ، ولكنني حللت هذه المشكلة من طرفي أنا بشرائي هاتفاً محمولاً وقد شعرت بارتياح كبير . من الموقف المحزنة التي ظلت في نفسي وقتاً طويلاً ، موقف محاسبة المطعم معي . فعندما أردت دفع قيمة الغداء في أحد الأيام ، أرادت أن تدفِّعني قيمته دون خصم كشخص زائر من خارج السكن بسبب أن بطاقة المطعم منتهية . أطلعتها على مفاتيح الغرفة حتى أبرهن لها أنني من السكان الدائمين Permanent Resident . لم تقتنع كما أن وجهي الذي تراه يومياً تقريباً لم يقنعها أيضاً . حاولت أن أقنعها بأنني سأجدد البطاقة بعد الغداء مباشرة . رفضتْ أيضاً. دفعتُ القيمة التي طلبتها كاملة على مضض . كنت أكلمها من مبدأ الثقه. وبعد الغداء توجهت إلى الطابق الأول ودفعت أجرة الشهر المقبل وحصلت على بطاقة خصم للمطعم . في المساء ، وعندما جاء دوري لدفع قيمة العشاء ، دفعته كاملاً دون نقاش . فأعطيتها ورقة نقدية من فئة 5 جنيهات فأخذتْ تنظر فيها لوقت طويل وهي ترفعها فوق رأسها لترى إن كانت مزورة أم لا. ظللتُ ساكناً حتى انتهت وأعطتني الباقي ، فأخذت أرفع العملات المعدنية إلى أعلى كي أفحصها كما كانت تفعل بقليل . صرختْ في وجهي قائلة : -
. Don’t be mean to me ـــ
. - I am not so , but I am checking my money

وأعتقد أن تصرفي هذا أثار غضبها . فبينما كنت أتناول العشاء وجدت أحد مسؤولي السكن فوق رأسي فجأة وهو يسألني عن سبب عدم تسديد الأجرة الشهرية ؛ لأنها اخبرته بذلك . أجبته بأنني سددتها ، وأعاد لي بطاقة المطعم عندما رأى أنها مجددة . في اليوم التالي ومن سوء الحظ وجدتها أمامي في المطعم وسألتني عن عدم استخدام بطاقة الخصم مساء أمس وهي معك ؟
ــــ حاولت أن أُثبت لكِ أن المادة ليست عندي كل شيء . فقد كنتُ أشعر بأني جزء من كيان هذا السكن وأنت تعرفين أنني ساكن دائم هنا . لقد حزنت ليس بسبب موقفك معي ، ولكن بسبب أن هذا المجتمع بدأ يشعرني تدريجياً أن تعامل الإنسان مع الآخر هنا مبني على الأرقام والمنفعة المؤقتة ولا مجال للعلاقات الإنسانية. شعرت بأني أهنت نفسي بسبب مجموعة لعينة من الجنيهات الإسترلينية . لم تعلق على كلامي .

صوره للغرفه وترا الدلة للزينه وإلا أنا ما اعرف اصلح
حتى القهوة


صورتي داخل الغرفه وكم بها إحساس كبير من الغربة والوحده


من المواقف الأخرى التي عشتها واستمرت أحداثها لفترة ما حدث لي مع شري غانثان ، العضو في هذا السكن. هل تذكرتموه ؟ إنه صاحب السكن الأول الذي خرجت منه . لقد تفاجأت مرتين في لحظة ، أي عندما عرفت أنه عاد من السفر
و أنه عضو في هذا السكن عندما قابلته في بهو السكن. طلبت منه إرجاع مبلغ الضمان الذي دفعته مسبقاً فرفض وهو حوالي 2000ريال
وعندما رأيته مرة أخرى داخل السكن ، كررت عليه الطلب فقال : إنه لا يحق لي الحصول عليه ؛ لأنني لم أقم المدة التي اتفقنا عليها وهي سنة . أدار لي ظهره ومشى ؛ فما كان مني إلا أن جذبته بقوة من كتفه وقلت له بصوت عالٍ:
ـ يجب أن تعطيني المبلغ و إلا سوف أتصرف فأجابني أن اتفاهم مع غابي . وغابي هذه من التشيك التي كنت أراها في منزله بين الحين و الآخر . وبعد عدة أيام جاءتني في الغرفة . حاولت أن تقنعني أن أنسى فكرة استرداد مبلغ الضمان. ومن جهتي حاولت بعد ذلك فتحت باب غرفتي ، وطردتها شر طرده . بعدها حاول شري أن يثير الموضوع مع مدير السكن الأمريكي وهو كيفن كوين و لم يتدخل في الموضوع . وبعد مرور أسبوعين تقريباً، رأيت شري يصعد الدرج داخل السكن فقلت له : " إذا لم تعطني نقودي فلسوف أخبر مكتب الضمان بأنك تؤجر غرف المنزل بصورة غير نظامية ". بعدها وافق على استرجاع مبلغ الضمان.
كيف طرأت لي فكرة إبلاغ مكتب الضرائب ؟ أتذكرون ماذا قال لي في الأيام الأولى من سكني في منزله؟ ألم يقل : إذا سألك أحد عن قرابتك بصلة صاحب المنزل فقل له إنه قريب له وكشف لي سر ذلك ؟ وبعدما أخذت مبلغ الضمان وانتهاء هذه القصة بانتصاري ، تعلمت درساً جديداً في هذه الحياة وهو إذا كانت لديك نقطة ضعف أو سر قوي يجب ألا تطلع أحداً عليه خشية استغلاله من قِبَل الطرف الآخر مهما بلغت قوة علاقتك وثقتك بهذا الطرف .
وفي يوم من الأيام سنحت لي الفرصة توجيه نوع من المضايقة لشري داخل السكن . فكما قلت لكم سابقاً ، فإنه يُعرض في السكن كل يوم أحد فيلماً سينمائياً في قاعة المسرح . كان "توني " ، مدرب كرة القدم البرتغالي للنادي الرياضي هنا ، هو نفسه المسؤول عن ترتيب الكراسي ، وإحضار الفيلم
و إعداد الفشار لبيعه للحضور . ولما رأيته مشغولاً ، عرضت عليه المساعدة ، و اقترح علي أن أقف على باب الدخول للسينما وأن أسمح للنزلاء من الطلبة والأعضاء فقط الدخول بالمجان كالمعتاد ، أما من يأتون من خارج السكن فعليهم دفع 50 بنساً أي حوالي 3 ريالات . أخذ الطلبة يدخلون وأنا أتفحص بطاقات العضوية أو ما يدل على أنهم من السكان وكان يكفيني أن أرى مفتاح الغرفة لبعض الطلاب حتى أعرف أنهم من سكان هذا النزل . وعندما جاء زملاء لي من خارج السكن وهم كثر أدخلتهم مجاناً .. وفجأة رأيت شري قادماً . أراد أن يدخل . منعته . فوقفت في وسط المدخل واضعاً يدي على دفة الباب الأخرى . نظر لي نظرة استغراب وغضب في آن. التفت إلى " توني " الذي كان مشغولاً ببيع الفشار وسأله:
ــ توني ماذا يفعل هذا الشاب هنا ؟
ــ هو يساعدني اليوم في دخول المتفرجين .
في هذه الأثناء كان البعض من الطلبة يدخلون ، وهو لا يزال واقفاً والغضب يعلو وجهه. بعدها قلت له :
ــ نعم .... نعم ، لقد تذكرت أنك من الأعضاء .ادخل .... ادخل. وكم كدت أن أنفجر ضاحكاً عندما رأيت عينيه المحمرتين و قد جمع وجهه عدة ملامح من الغضب والقهر والاستغراب في آن.
الى اللقاء وفي الحلقه القادمه سأتحدث عن صيام مرور رمضان والعيد علي في الغربة لأول مرة
.

مواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك: