مغارة الأربعين .. قرقلر ... في حلب .. بقلم المحامي علاء السيد
الاثنين - 1 تشرين الثاني - 2010 - 16:42:45
![]()
عندما وردت لموقع عكس السير وثائق تشير إلى تجاوزات وقعت على مبنى تاريخي عائد لمديرية الأوقاف يقع بالقرب من محيط قلعة حلب كان يحمل اسم مسجد " قرقلر " و هو مبنى مهجور منذ فترة طويلة و لا تقام فيه أية شعائر دينية .
قرر رئيس التحرير أن يقوم الصحافي رأفت الرفاعي بإجراء تحقيق صحفي عن وقائع الموضوع و أن أقوم بإعداد دراسة تاريخية عن هذا المبنى لنتبين أهميته .
عندما زرنا مدير الأوقاف بحلب وجدنا دراسة تاريخية مبدئية حول تاريخ هذا المبنى ، كانت المديرية قد سارعت إلى إعدادها بعدما أثير موضوع التجاوزات التي حدثت للمبنى ، و كان التركيز فيها على المبنى الحجري دون التدقيق فيما وراءه .
مغارة الأربعين التاريخية
توسعنا في البحث التاريخي عن المبنى ليتبين لنا انه في منطقة الفرافرة قرب القلعة و أمام مبنى دار بلدية حلب التاريخي ( مبنى مديرية الهجرة و الجوازات السابق ) كانت هناك مغارة تاريخية أثرية ذات مدلول ديني سميت بمغارة الأربعين , ذكرها مؤرخ حلب الشيخ كامل الغزي في كتابه " نهر الذهب في تاريخ حلب " عندما عدد آثار محلة الفرافرة .
أعتقد انه لأهمية هذه المغارة سمي أحد أبواب سور حلب بباب الأربعين ( و هو باب مندثر ذكره الغزي نقلا عن تاريخ ابن الملا و ذكره الطباخ نقلا عن تاريخ المرادي ) و قد سمي الباب بباب الأربعين تيمناً بهذه المغارة .
والمقصود هنا هو سور حلب القديم الذي كان في الفترة البيزنطية السابقة للفترة الإسلامية يتقاطع مع القلعة، عندما كانت القلعة تشكل أقصى الطرف الشرقي للمدينة قبل توسع المدينة شرقا و زوال هذا السور و بناء الملك الظاهر غازي ابن صلاح الدين سوراً جديداً شرقي المدينة يربط ما بين عدة أبواب جديدة بناها هي باب الحديد و باب الأحمر و باب النيرب وصولاً إلى باب المقام .
تاريخ بناء التكية![]()
مخطط افتراضي لحلب القديمة في العهد البيزنطي يتوضح عليه السور القديم و السور الجديد للمدينة
( من كتاب تاريخ حلب المصور )
بالعودة إلى مبنى تكية و مسجد قرقلر وجدت أن حجارة المبنى بحجمها وطريقة بنائها حديثة نسبياً، وربما تعود إلى العهد العثماني الأخير .
ووجدت عدة نقوش حجرية أقدمها مؤرخ عام 1007 هجري و يعادل 1598 ميلادي و هو مكتوب باللغة التركية العثمانية القديمة بالأحرف العربية ، و استطعت أن أفهم منها بصعوبة و بشكل غير حرفي وجود مزار لقبر دفين ذو شأن في هذا المبنى، يعظم هذا النقش الحجري ذكراه، و يؤكد وجوب السعي لزيارة مزاره دون ذكر اسم هذا الدفين .
ووجدت نقشاً آخر بالعربية مؤرخ بتاريخ لاحق للنقش الأول في عام 1164 هجري و يعادل 1750 ميلادي فيه دعاء لله سبحانه و تعالى .
النص المنقوش على اللوحة الحجرية باللغة التركية العثمانية القديمة
و أخيرا وجدت نقشاً هو الأحدث مؤرخ في عام 1316 هجري و يعادل 1898 ميلادي فيه أبيات شعرية تذكر مقاما للأربعين مجربٌ الدعاء فيه لنيل الآمال .
يبدو أن هذا المبنى تعرض للهدم عدة مرات منذ بنائه بسبب الزلازل و غيرها، و كان من يبنيه يحرص على إعادة وضع الأحجار القديمة المنقوشة بالكلمات في الجدران المبنية حديثاً و كان آخر بناء له في عام 1898 منذ مائة و اثنا عشر عاماً .
تكية قرقلر في كتب الباحثين الحديثة
عدت إلى كتاب " الآثار الإسلامية و التاريخية بحلب" للدكتور أسعد طلس الصادر عام 1956 فوجدته يذكر تكية "قرقلر" و يصفها بمقر منحوت في الصخر ينزل إليه بدرج .
أعتقد ان " طلس " يشير إلى المغارة أسفل المبنى لأن المبنى الحالي مبني بالأحجار على وجه الأرض و ليس منحوتاً بالصخر.
يذكر د .طلس أن التكية مكونة من قسمين قبو سفلي، فوقه قسم ثان متصل به ( دون أن يذكر وجود درج ) و القسم العلوي مسقوف بقبة عالية .
و يذكر أيضا انه يوجد في صدر التكية ( محراب من الحجر ) والى جانب الغرفة المسقوفة بقبة هناك غرفة لسكن شيخ التكية .
السقف الحجري ( الغمس ) لغرفة سكن التكية
أي أن التكية مؤلفة فقط من قبو أعلاه غرفة واحدة مسقوفة بقبة و فيها محراب، أما الغرف المجاورة لهذا القسم فهي للسكن .
التكية متصلة بقناة حلب التي توصل للقلعة
كما يذكر طلس عبارة يجدر الإشارة إليها أن ( مقر التكية موصول بقناة حلب ) .
و قناة حلب التي ذكرها د . طلس هي قناة حيلان التي تتفرع أسفل أحياء حلب القديمة لتؤمن المياه للقلعة و للبيوت وبقية المرافق مشكلة سراديب متشعبة يعتقد الحلبيون إنها أنفاق سرية توصل للقلعة.
بحثاً عن المغارة التاريخية
دخلت المبنى باحثاً عن المغارة التي كتب المؤرخون و الباحثون أن التكية و المسجد بني فوقها فلم أجد لها آثاراً واضحة ، تحت المبنى هناك قبو مرصوفة جدرانه بالحجارة القديمة.
أعتقد أنه وبسبب طبيعة الأرض الكلسية الحوارية الهشة في محيط القلعة أن المغارة قد تم تدعيم جدرانها بالحجارة منذ زمن طويل و زالت معالمها و بقي جدار واحد فقط من جدران المغارة غير مرصوف بالحجارة و لكن تم ترميمه بمواد بناء حديثة .
طابق القبو ( المفترض أنه مغارة ) و قد رصفت جدرانه بالحجارة القديمة
بحثاً عن المحراب
صعدت للطابق أعلى القبو إلى الغرفة المسقوفة بقبة، و بحثت في الجدار الواقع في الجهة الجنوبية القبلية منها و التي يفترض أن يوجد فيه المحراب متوجهاً نحو القبلة ، فلم أجد إلا جداراً فيه نافذتان كبيرتان بقيت على أطرافها الحجرية أماكن توضع مفصلات درفتي النافذة .
استبعدت لهذا السبب أن تكون محراباً، و لكن لفت نظري وجود فتحة في الجدار مختلفة عن شكل النوافذ تشكل حجرة صغيرة لا منفذ لها و متجهة باتجاه الجنوب يبرز بسببها الجدار الخارجي للبناء كما هي عادة المحراب عندما يبرز بسببه الجدار الخارجي للبناء.
الفتحات الحجرية أعلى النوافذ و هي معدة لاحتضان مفصلات درفتي النافذة
أعتقد تبعاً لما ذكرت أن هذه الفتحة هي المحراب المذكور .![]()
الغرفة الحجرية الصغيرة التي ربما تكون المحراب المفقود
البروز في الجدار الحجري خلف الغرفة الحجرية الصغيرة التي قد تكون المحراب
تاريخ بناء تكية "قرقلر "
بعد الفتح الاسلامي لحلب ( في تاريخ لم استطع تحديده بدقة لعدم توفر مراجع توثق اول عملية بناء ) بُني مكان للعبادة على مغارة الأربعين، وعندما بدأ عهد الحكم العثماني في المنطقة سمي المكان باللغة العثمانية التركية القديمة " تكية قرقلر ".
و جاء في شرح كلمة" قرقلر" في موسوعة حلب المقارنة للاسدي أنها تأتي بمعنى "الأربعينات " أي جمع أربعين ، فالأربعين بالتركية " قرق " و اللازمة " لار " تأتي للجمع.
و نوه الاسدي أن اللغة التركية لا تجمع إلا" قرقلر" هذه ، و رأى أنها تشير إلى أوتاد الأرض الأولياء الأربعين.
الأمر الثابت و الواضح كما ذكر الغزي صراحة أن تكية تقام فيها الشعائر الدينية بنيت فوق المغارة ، و يبدو أنها بنيت هناك للصفة الدينية للمغارة .
أما مؤرخ حلب الشيخ راغب الطباخ في كتابه " إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء " فقد أورد ذكر المبنى في سياق ترجمة الشيخ " محمد النوري البغدادي " ذاكراً انه في القرن الحادي عشر الهجري ( يعادل القرن السادس عشر الميلادي ) نزل هذا الشيخ بمسجد الأربعين و تصدر لتسليك إحدى الطرق الصوفية .
و عاد الطباخ ليذكر في أحداث عام 1150 هجري/ 1737 ميلادي ليذكر مسجد الاربعين و يقول الطباخ الذي كتب كتابه عام 1923 ان في زمن كتابة الكتاب عرف المكان بزاوية " القرقلر " يسكنها مشايخ الطريقة "النوربخشية" و هي طريقة وصفها الطباخ بطريقة " علية نورية " و هي إحدى شعب الطريقة النقشبندية .
هل المبنى مسجد أم تكية أم زاوية أم جامع
يشار إلى أن الخلاف بين ذكر الغزي للمبنى كتكية و ذكر الطباخ للمبنى كمسجد ثم كزاوية يمكن فهمه على أساس أن التكايا كانت تعتبر مساجد تجري فيها الصلوات الخمسة و فيها قسم يسمى" التكية" لإقامة المتعبدين و إطعامهم من الصدقات ، أما" الزاوية " فهي قسم من أقسام المسجد تقام فيه الأذكار الصوفية و يعتزل فيه المتصوفة فترة أربعين يوما عن شهوات الحياة الدنيا.
بالتالي يمكن اعتبار المبنى تكية و مسجداً و زاوية في آن معا ، و لا أعتقد أنه يمكن اعتباره جامعاً لان للجامع عادة مئذنة لا توجد في هذا المبنى .
أصل تسمية الأربعين
أورد الطباخ أن المسجد سمي بمسجد الأربعين لأنه كان فيه أربعون عابداً لله و ذكر أنهم كانوا من المحدثين الباحثين عن الأسانيد.
أما ابن شداد الذي فسر في كتابه " الأعلاق الخطيرة " سبب تسمية باب الأربعين بأنه خرج منه أربعون ألف مجاهد ولم يعد منهم أحد، فأعتقد أن هذا تفسير مستبعد لأنه كما هو واضح تاريخياً، و كما ذكر الغزي أن الباب سمي على اسم المغارة التي كانت قريبة منه ، و لم تسمى التكية و مغارتها على اسم الباب .
الجدير بالذكر أن هناك عدة مغارات في بلاد الشام تسمى مغارة الأربعين ، منها مغارة الأربعين في مدينة أريحا بفلسطين ، ومغارة الأربعين في جبل الأربعين أحد جبال قاسيون في دمشق ، و مغارة الأربعين في جبل الأربعين الذي تقوم عليه مدينة أريحا التابعة لمحافظة إدلب، و مغارة جبل الأربعين في اللاذقية .
بالبحث عن سبب تكرر ذكر تسمية " الأربعين " مع التأكيد أننا لسنا هنا في معرض البحث الديني الفقهي، و إنما في معرض البحث عن تفسير لوجود هذه التسمية " الأربعين " لعدة مغارات واقعة في بلاد الشام، وجدت عدة أحاديث منسوبة ( مع اختلاف في درجات إسنادها ) للرسول الكريم صلى الله عليه و سلم ذكرها ابن عساكر و الطبراني و السيوطي وغيرهم ، و قد روت بروايات مختلفة عن أربعين رجلاً من أولياء الله الصالحين يكونون ببلاد الشام يسمون بـ "الأبدال ".
ربما تكون هذه المغارات منسوبة إلى اعتقاد بوجود هؤلاء الأولياء الأربعين .
خاصة أن الأسدي أورد كما جاء أعلاه في تفسير كلمة قرقلر ( أنها تشير إلى أوتاد الأرض الأولياء الأربعين ) و ذكر ذلك أيضا د .أسعد طلس في كتابه الآثار الإسلامية و التاريخية بحلب عندما أورد تكية قرقلر ( سميت بذلك لأنها مقر الأربعين وليا ) .
واقع المبنى الحالي
لاحظت أن المبنى لم يرمم بطريقة أثرية احترافية أكاديمية بل تمت إضافة بعض الأحجار و الأعمدة الحديثة لتزيين جدرانه و تم تلبيس القبة من الداخل بقرميد أحمر تزييني و يبدو إن أرضيته الخشبية قد انهارت و تم استبدالها بأرضية حديثة .
اعتقد أن المبنى بحاجة ماسة لنزع ما أضيف له من مواد بناء حديثة و إعادة ترميمه بطريقة أكاديمية تعيده إلى وضعه التاريخي المهم .
و أعتقد أن الحائز الحالي للمبنى و بنية حسنة اعتقد انه يحسن صنعاً بترميمه وفق خبرات عامة، لا علاقة لها بأصول الترميم الأثري ، الذي يحرص فيه المرمم المحترف على إعادة الحال إلى وضعه الأصلي بدقة تامة، و يحرص على عدم إدخال عناصر بناء جديدة أو حديثة .
الحائز الحالي لمبنى تكية و مسجد و زاوية "قرقلر" أنفق أموالاً طائلة لترميم المبنى بطريقة لم يدرك أنها خاطئة ، معتقداً أنه بذلك يحسن من وضع هذا الأثر التاريخي .
و هي مناسبة مهمة لدعوة حائزي المباني الأثرية إلى عدم ترميم مبانيهم باستعمال مواد حديثة من رخام و مواد ديكور و غيرها ،لا يدركون أنها تسيء بشكل بالغ للمباني الأثرية التي اعتقد يقيناً أنهم مثلنا حريصون على سلامتها .
المراجع :
-تاريخ حلب المصور ، المحامي علاء السيد، قيد الطبع .
-نهر الذهب في تاريخ حلب ، الغزي .
-إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء ، الطباخ .
-الآثار الإسلامية و التاريخية بحلب ، د. طلس .
-موسوعة حلب المقارنة ، الاسدي .
المحامي علاء السيد – عكس السير
مواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك:
- أجواء العيد في دمشق الحبيبة
- مساعدة منكم لوسمحتوا
- استفسار عن السفر بالسيارة
- تنبيه الى كل المسافرين الى بانكوك
- هل التجوال الدولي مجاني في سوريا؟
- ساعدوني ؟؟
- آآآخر اخبار السفر براً الى سوريا
- اللغه التايلندية
- خبراء تايلاند الرجاء مشاركتي في برنامجي
- مصرى مسافر لتايلاند للمرة الأولي بخصوص التأشيرة
- مساعدتكم بترتيب جدول بوكيت شانج ماي بانكوك مع الفنادق
- ساتورن في بانكون وكوي موي في بوكت
- عاجل بكرة الوصول للسوق في بانكوك نداء لولد البحرين عبدالله الكويتي
- مكاتب سياحيه
- فنادق بوكيت بانكوك
- شووووية استفسارات
- سهم مباشره من دمشق تم العمل بالتوقيت الشتوي من اليوم
- رأيكم له آهميهـ
- مساعدة ضروري من الاخوه الكرام
- الوقت بالمطار
المفضلات