السياحة الجبلية في سورية فرصة للاسترخاء والتأمل

**ahmed2** · 01-15-2015, 12:51 PM

48 ساعة في الدريكيش وصافيتا

دمشق: هشام عدرة
إذا كانت المدن الشاطئية السورية تعتبر عنوانا للسياحة البحرية، فإن في سلسلة الجبال التي تقف كالحارس على البحر الأبيض المتوسط عددا من الكنوز السياحية بين وديانها وقممها وغاباتها الخضراء، ومن أجمل تلك الكنوز مدينتا (صافيتا والدريكيش) المطلة على البحر في منظر طبيعي شائق وجميل، وإذا كانت الدريكيش تعتبر عنوانا لسياحة المياه المعدنية من خلال شهرة ينابيعها الرقراقة العذبة، فإن صافيتا ببرجها الصليبي وتلالها الموشاة بالورود تعتبر رمزا للسياحة الجبلية والتنقل بين الغابات العذراء، والعيش في رحم الطبيعة بهوائها العليل، الذي لم تلوثه مخلفات الحضارة الحديثة، والجميل هنا أنه يمكن للسائح أن يقضي في المدينتين 48 ساعة من دون أن يشعر بالملل، فتفصل المدينتان بضعة كيلومترات فقط، أي نحو 20 دقيقة بالسيارة، وتتوفر في المدينتين فنادق جيدة المستوى.
الوصول إلى الدريكيش وصافيتا الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، عندما أخبرني السائق (أبو النور) - هكذا طلب مني أن أناديه، بلقبه فقط - الذي أقلني من العاصمة دمشق باتجاه المدينتين الساحليتين الجبليتين، أننا وصلنا لمفرق صافيتا، على الطريق الدولي الذي يربط دمشق باللاذقية، وقبل أن نصل إلى مدينة طرطوس بنحو 20 كلم فقلت له: «لنتجه فورا إلى الدريكيش وصافيتا»، ضحك أبو النور قائلا: «ألم تتعب يا أستاذ، فأنت لم تطلب مني التوقف منذ أن انطلقنا من دمشق في الساعة السابعة صباحا، فنحن مشينا ثلاث ساعات بالسيارة، رغم مرورنا باستراحات الطريق الدولي في النبك ودير عطية وحمص، ألا تريد أن تستريح قليلا، حيث يوجد هنا استراحات شعبية تقدم الخبز البلدي في قرية الصفصافة والقرى المجاورة، على طرق صافيتا؟»، فقلت له: «يا صديقي، ها نحن على أبواب المدينتين حيث مقصدنا، والطريق إليهما جميل، سينسينا التعب». وبالفعل فالطريق إليهما رائع حيث التلال والجبال والأشجار والمواقع الأثرية والتاريخية، والسائح الذي سيقصدهما من دمشق لن يشعر بطول الطريق الذي يصل لنحو 250 كلم، فهو واسع وعريض، وباتجاهين حتى المفرق، ويستغرق الوصول إليهما نحو الثلاث ساعات ونصف الساعة، وفي حال انطلق من مدينة طرطوس حيث تتبع المدينتان لمحافظتها، فالمسافة بين طرطوس والدريكيش نحو 28 كلم، أي نصف ساعة بالسيارة، ونحو 35 كلم ما بين طرطوس وصافيتا التي تتوضع إلى الشرق منها.

صافيتا: المدينة البيضاء عندما بدت ملامح صافيتا تظهر إلينا ببيوتها البيضاء ذات السقوف القرميدية، أوقف أبو النور السيارة في مدخلها، وبإصرار منه قال: «يا أستاذ، قبل أي شيء، وقبل أن تتجول في المدينة مع أصدقائك، أريد أن أشرب فنجان قهوة، فأنا لم أشرب قهوة الصباح حتى الآن، والساعة تقترب من العاشرة والنصف»، فضحكت وقلت له: «وأنا مثلك، لنشربها في تلك الكافتريا القريبة من الشارع العام، وننطلق بعدها بحيوية ونشاط متنقلين في صافيتا المدينة الرائعة»، وبرفقة بعض الأصدقاء هناك من أبناء المدينة، التي بدأت أسواقها ودكاكينها في الحركة، وبدأت تستقبل الزوار والمتسوقين بينما كان يخبرني أحد أبنائها من الأصدقاء، ومن زملاء الدراسة الجامعية في جامعة تشرين باللاذقية (جمال)، عندما سألته عن سبب التأخر في حركة السوق لديهم، بأن المدينة تسهر كثيرا، والمحلات تظل مفتوحة حتى ساعات الليل المتأخرة، ومن الطبيعي أن ينام أصحابها حتى ساعات الصباح المتأخرة قليلا، ويؤكد جمال ما يعرفه وسمع عنه الكثيرون من حالة انتشرت في صافيتا منذ عشرين عاما، وما زالت، وهي أن أصحاب محلات صافيتا يتركونها مفتوحة ويذهبون أحيانا بعيدا عنها، دون أن تحصل أي سرقة، فالأمان هنا متوفر، والكل يعتبر أن المحلات تخصه، وأن صاحبها يحافظ عليها، وعلى شوارع وساحات المدينة نظيفة جميلة كما يحافظ على منزله.

(فادي) صديق قديم في الجامعة، ورغم أنه درس الأدب الإنجليزي، ويدرسه في مدارس مدينته، إلا أنه خبير بتاريخ صافيتا وجغرافيتها، فهي كما أخبرنا تتوضع على ارتفاع 380 م عن سطح البحر، وبنيت على موقع قلعة قديمة كانت تسمى أيام الغزوات الصليبية «كاستيل بلان»، ولم يبق منها إلا أحد أبراجها الذي يرتفع وسط المدينة عن أرضها بنحو 28 مترا، ويضم كنيسة تاريخية لا تزال تقام فيها الشعائر الدينية حتى اليوم. ومع ازدياد حركة الناس في أسواق المدينة كنا نسارع الخطى، لنشاهد جماليات صافيتا التي تحتضن زوارها كأم حنون.

مواقع تجدر زيارتها قرب صافيتا والزائر لصافيتا، وبعد التمتع بجماليات المدينة وطبيعتها الرائعة، يمكن للسائح أن يتجول في مواقعها التاريخية الأثرية الواقعة بالقرب منها الكثير من هذه الأماكن المهمة، التي تحقق للسائح متعة سياحة الآثار، ومنها: قلعة العريمة التي تبعد 15 كلم إلى الجنوب الغربي من صافيتا، وكانت عبر التاريخ تعتبر نقطة متقدمة لقلعة صافيتا وقلعة الحصن، ولم يبق منها سوى برجين حاليا. وهناك قلعة يحمور غرب صافيتا على مسافة 20 كلم، ولم يبق منها سوى برجها المرتفع 15 مترا، وسور جميل بطول 34 مترا.

نتجول في القلعتين لنعود بعدها إلى صافيتا، حيث كان المساء قد حل، والليل بدأ يرخي ظلاله على المدينة، هنا في ساعات المساء الجميلة تشعر وكأن أهالي المدينة جميعهم خارجها، فالشوارع الرئيسية، وخاصة كورنيش المدينة، وشارع اليازدية وغيرها مكتظة بالناس في سيران مسائي ليلي جميل، تعود الجميع عليه، وخاصة الشباب، تجبرنا حركة الناس ومشاويرهم التقليدية اللطيفة على السهر، فالفصل ربيع، والجو بديع، والوجه حسن، والاستقبال رائع من الجميع، بحيث يشعر السائح كأن البيت بيته، والمدينة مدينته.

ننام في أحد فنادق صافيتا الفخمة، وبعد نهار طويل جميل، ولتكن وجهتنا في الصباح نحو المدينة الشقيقة لها والمجاورة لها بشكل أبدي، أي نحو الدريكيش.

الدريكيش:مدينة الحسن والاصطياف والمياه العذبة في الدريكيش، التي وصلناها خلال ثلث ساعة فقط منذ خروجنا من صافيتا، في صباح اليوم التالي، متجهين جنوبا نحوها، حيث تبعد عنها نحو ثمانية عشر كيلومترا فقط، قلت للسائق أبو النور: «الآن أنت مرتاح، وشربت قهوة الصباح في فندق صافيتا، فلنتجول مباشرة في المدينة»، ضحك أبو النور معلقا: «ولكن قبل التحرك أريد أن أشرب من مياهها المعدنية، فهي ستمدنا بحيوية تجعلني أبقى معك طيلة النهار، من دون تعب، فنحن في دمشق نشربها معبأة، وهنا أريد أن أشربها من النبع». وبالفعل شربنا مياه الدريكيش من نبعها الأصلي، حيث لذتها ونقاوتها تفوق كل وصف, فالدريكيش تتوضع على سفح جبلي بازلتي، تنبعث منه المياه المعدنية الرقراقة، ويرتفع عن سطح البحر نحو 450 كلم, تكسوه أشجار الزيتون، وتطل بشكل جميل على البحر الأبيض المتوسط، وشهرتها السياحية جاءت من مياهها الصحية التي تجذب الكثيرين من المصطافين والسياح الباحثين عن الراحة والاسترخاء في أحضان الطبيعة العذراء، والراغبين في الانتفاع من فوائد مياهها المعدنية الطبية الكثيرة.

أماكن تجدر زيارتها في الدريكيش والدريكيش التي يخبرنا أحد أبنائها (سليمان)، الذي يدرِّس مادة التاريخ في مدارسها، بأن اسمهما جاء على الأغلب من تحريف لفظة الزركشة، لكثرة ألوان الزهور والنباتات والأشجار، حيث تشكل غطاء طبيعيا يحيط بالمدينة، ومع مدرس التاريخ (سليمان) وعدد من زملاء الدراسة الجامعية في الدريكيش، جلنا، وحتى ساعات المساء الأولى، في أهم مواقع المدينة السياحية التي لا يستطيع أي زائر أو سائح للمنطقة أن يقاوم إغراء زيارتها، ليعيش ساعات في قلب الطبيعة العذراء الهادئة، فهناك جبل النبي متى، الذي يرتفع عن سطح البحر 1050 مترا، ويضم عددا من الينابيع المعدنية العذبة، وتتوضع في أعاليه غابة كبيرة من شجر الصنوبر والكستناء والأرز، ويكلله الضباب حتى في شهر أغسطس (آب) بفصل الصيف، ويحاذي جبل النبي متَّى جبل الشيخ إبراهيم السلطان وجبل النبي صالح، وهناك الكثير من الكهوف والمغارات الطبيعية، ومنها: مغارة الشماميس ذات الصواعد والنوازل، ومغارة بيت الوادي، التي تقع ضمن واد ضيق مكسو بالأشجار المثمرة، وبقربها نبع المكسور، ويتخللها ممران، أحدهما مائي، والآخر صخري, وهناك الينابيع المعدنية التي يؤمها السياح والمصطافون للاستفادة من فوائدها الطبية والصحية، ومنها نبع بمحصر والدلبة، الذي يسير في نهر قيس المشهور بسمكه اللذيذ الطعم، ونبع أبو جلاويش والعيدون وعين الباردة والكبيرة.ولمن يرغب في زيارات لمواقع أثرية في الدريكيش، فهناك القلاع القديمة، ومنها قلعة بيت الشيخ ديب وتخلة والكيمة وحي القصر في وادي المصطبة. ومع حلول الليل في الدريكيش، وحيث تضج شوارعها الرئيسية بالناس من مختلف الأعمار، يتنزهون على أرصفتها النظيفة والواسعة، ويشترون حاجاتهم من الباعة المتجولين بعرباتهم ومن الكافتريات المنتشرة بكثرة في الدريكيش. توجد في صافيتا والدريكيش فنادق فخمة كثيرة، وبعضها مطل على الوديان والجبال المحيطة. نذكر منها فندق صافيتا الشام (أربع نجوم)، وبرج صافيتا (نجمتان)، وفندق قصر الدريكيش السياحي (نجمتان)، والبرج الفضي في الدريكيش (نجمة واحدة). أما المطاعم والمقاهي فهناك العشرات منها، ففي صافيتا: القناطر والمحبة والنبع الكبير وكافتريا الكوخ والغروب، وسبيرو وجميعها بنجمتين، وهناك مقاهي الفرسان والدورة، وفي الدريكيش هناك مطاعم الفردوس وغيرها، وهناك مطاعم ومقاهي الفنادق أيضا.