حين تغادر مطار دبي على متن طائرة (طيران الإمارات) وتصل إلى مطار الملك عبدالعزيز بجدة، لا بد أن تشعر حتما بأنك انتقلت من عالم إلى عالم آخر، وسأترك للقراء الذين جربوا مثل هذا الانتقال ذهابا أو إيابا إطلاق الصفة المناسبة لكل عالم من هذين العالمين.
والواقع أن الأمر لا يتوقف عند المطار والطائرة فهما فقط الواجهة أو البوابة إلى عالم دبي المثير، ولكنه يتعدى ذلك إلى أمور كثيرة جدا، وأقول أمور كثيرة تجنباً لقول (كل شيء) حتى لا أقع في فخ التعميم، فأجد من يتصدى لي متسائلا ألا ترى في بلادنا أشياء جميلة؟ فأجيب: بلى، هناك أشياء وأمور كثيرة جميلة، لكن هناك ما هو أجمل وأفضل وأكمل وأروع، ونستطيع أن نفعله، ولكن!!
إن أي مراقب أو متابع حين يتدبر ويتأمل لا بد أن يتساءل: لماذا ذلك الأجمل والأروع والأكمل لم يحدث عندنا، وكم من الوقت نحتاج لنصل إلى مثله، سيما وأنه لا توجد أية عوائق لا مالية ولا معنوية، بل إن إمكاناتنا تفوق ما لدى الآخرين بأضعاف مضاعفة، ألا يستدعي مثل هذا الأمر التعجب والدهشة والألم؟
حضرت منتدى الإعلام العربي الذي ينظمه نادي دبي للصحافة سنويا، ويحضره مئات من الإعلاميين والكتاب والمفكرين العرب والأجانب، هذه هي الدورة العاشرة للمنتدى وهذه هي المرة الثانية لحضوري كانت الأولى منذ نحو ثمان سنوات، وهذه المرة دعتني (قناة العربية) لأشارك في إحدى الجلسات التي نظمتها ضمن فعاليات المنتدى بحكم كونها أحد رعاته الكبار. من مكاسب المنتدى لقاء عشرات من الأصدقاء والزملاء، والتعرف على عدد أكبر من الإعلاميين والمثقفين اللامعين في مختلف المجالات، فضلاً عما أغدقته الجلسات وورش العمل والنقاشات على حضور المنتدى من آراء متطورة وأفكار مثيرة مثرية وفوائد جمة.
كان تنظيم المنتدى في غاية الإتقان والدقة للدرجة التي أعتقد أن كل من حضر شعر أن كوكبة الشباب (من الجنسين) الذين هيأهم نادي دبي للصحافة كانوا لخدمته وتنظيم وقته ورعايته وحده، وهذه لا مبالغة فيها أبدا حيث لا يمكن أن ترى أحدا من ضيوف المنتدى يسأل عن أمر أو يحتاج خدمة إلا وحوله من يبادر إليه بأريحية وحميمية فائقة: أي خدمة؟
تتوج المنتدى بتسليم جوائز الصحافة العربية المكتوبة في مختلف فروعها، وهي أهم جائزة عربية في ميدانها على الإطلاق، وهي تميز وتفوق يحسب لنادي الصحافة في دبي، فهذه الجائزة فضلا عن تنوعها وتعدد فروعها وما تشهده من إقبال يتزايد عاما بعد آخر حتى زاد عدد المتنافسين عليها من مختلف الأقطار العربية إلى أن بلغ هذا العام أكثر من 3800 عمل صحافي بنسبة زيادة متصاعدة بلغت 397%منذ انطلاق الدورة الأولى للجائزة، أقول فضلا عن ذلك فقد تميزت الجائزة منذ العام الماضي بتكريم ضحايا الإعلام الذين استشهدوا في ميادين عملهم، وفي هذه الدورة تم تكريم أسر ثلاثة شهداء هم: المصري أحمد محمد محمود من صحيفة الأهرام الذي قتلته رصاصة قناص أثناء الثورة المصرية، والقطري علي حسن الجابر مصور قناة الجزيرة الذي قتل على يد كتائب القذافي في ليبيا، والعراقي صباح البازي مراسل قناة العربية الذي قتل في انفجار مبنى محافظة صلاح الدين شمال بغداد.
مجلس إدارة الجائزة يضم ستة عشر إعلاميا وأكاديميا من مختلف الدول العربية أما لجان التحكيم فتضم العشرات، ومريم بن فهد المديرة التنفيذية للجائزة ورئيسة نادي دبي للصحافة فهي ليست الدينمو المحرك لكل فعاليات الجائزة وآلياتها وإنما هي المحور الرئيس الذي تدور حوله ومعه كل فعاليات هذا المنتدى السنوي الذي أصبح عملاقا، ويكفي أن ترى مريم وفريقها وتعرف دورها لتعرف المستوى المرموق الذي بلغته المرأة في الإمارات والدور الفاعل الذي تؤديه.
نادي دبي للصحافة الذي يقوم بكل هذا النشاط اللافت، هو إحدى ثمار اهتمام دبي بالإعلام فهي تحتضن مدينة دبي للإعلام، ومدينة دبي للإنترنت، وهيئة المعرفة، ودبي بهذا وبغيره من ملامح التطور الهائلة في شتى مجالاتها تؤكد فعلا وواقعا حيا مشهودا ملموسا مقولة الشيخ محمد بن راشد: (في سباق التميز ليس هناك خط للنهاية) ودبي لا شك سبقت محيطها بآلاف الأميال الحضارية المتميزة، بل لم تعد تنتمي إلى واقع العرب إلا بمقياسي الجغرافيا واللغة فقط.
مواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك:
المفضلات