-
حي البغدادية
من أوائل الأحياء التي تمردت على "سور جدة" ودشنت العهد الجديد لنقلتها الحضارية البغدادية.. "حي الأكابر" في الثمانينات يتحول إلى أكوام من الأطلالجولة - سالم مريشيد: / تصوير - محسن سالم: في هذا الحي يوجد أقدم مبنى لوزارة الخارجية في المملكة الذي يعتبر اليوم أحد معالم جدة.. وفي هذا الحي كانت السفارات والقنصليات لمعظم دول العالم.. وعُرف هذا الحي بحي العائلات الرياضية التي انجبت الكثير من مشاهير الرياضة السعودية في كافة المجالات، أمثال آل الراجخان وآل أبو داود، وآل الكيال وآل البكر، وآل الناصر، وآل بافرط، وآل حجازي وغيرهم، حيث كان الحي مكاناً للكثير من الملاعب.. خاصة ملاعب كرة القدم التي انجبت العديد من النجوم في الثمانينات والتسعينات أمثال الغراب، والنور موسى وعبدالله بكر، وعبدالزراق بكر، وعمر راجخان وغازي كيال، وهشام بكر، وعبدالله صالح وغنيمة الحربي، وأبو غنم، وغيرهم.. وغيرهم. وأنا أتجول في شوارع وأزقة الحي واستعيد مع بعض سكانه الأوائل الكثير من حكاياته التي اندثرت وضاعت في ظل الزحف العمراني الحديث الذي ارتفعت فيه الكتل الأسمنتية في مكان البيوت البسيطة التي عاش وتربى فيها الكثير من أبناء الحي في الماضي.. وتركوها بعد أن أغرتهم الأحياء الحديثة في شمال جدة بالتوجه إليها متناسين الكثير من حميمية الماضي الجميلة.. وعقبها الذي فقدناه اليوم. عشرون بيتاً كان حي البغدادية من أوائل الأحياء في جدة التي أعلنت التمرد على السور القديم.. ودشنت بذلك ميلاد جدة الحديثة في أواخر السبعينات الهجرية. عمدة البغدادية الأستاذ هشام عمر أبو العينين قال لي بينما كنا نتجول في شوارع وأزقة الحي لقد كانت بداية البغدادية بعشرين بيتا فقط في أواخر السبعينات.. ومن ثم بدأت في التوسع والتمدد حتى أصبحت اليوم تزيد على أربعة كيلومترات مربعة، يقسم بينهما طريق المدينة.. وأصبح يطلق عل الجزء الذي يقع غرب الطريق بحي البغدادية الغربي، والذي يقع شرقه بالبغدادية الشرقي وهو الجزء القديم. وأضاف: إن حي البغدادية هو امتداد لأحياء جدة القديمة.. والتي جاءت خارج السور وأدت لى هدمه لترتبط هذه الأحياء ببعضها.. ويعتبر الجزء الغربي من الحي والمحاذي للبحر هو الجزء الأحدث، حيث يطل على بحيرة الأربعين، ويتكون في الغالب من عمارات حديثة يتجاوز ارتفاع بعضها السبعة أدوار، حيث تجسد القفزة العمرانية الحديثة للمدينة بشكل عام. العمدة أبو العينين يعود بذاكرته إلى الوراء عندما كان في زهرة شبابه واصفاً كيف كان معظم الجزء الغربي من الحي عبارة عن سبخات ومناطق بحرية تغطي جزءاً كبيراً منه.. ومع مرور السنوات تم ردم مناطق السبخات وزرعت مكانها هذه الكتل الاسمنتية والعمارات الشاهقة التي تشكل الوجه الحديث للحي. أطلال بيت أمير البحر بالقرب من بحيرة الأربعين.. وفي الجزء الشمالي الشرقي منها مازالت تقف أطلال بيت قديم من بيوت حي البغدادية المبنية بالحجر المنقبي.. ورغم الاهمال والنسيان مازالت أجزاء من ذلك البيت تقف متحدية عوامل التعرية والقدم.. وعندما اقتربت من البيت المهدم برفقة عمدة حي البغدادية أبو العينين لاحظت أن بناءه من خلال الأجزاء المتبقية منه يعكس الكثير من جماليات البناء القديم.. ويوضح أن مالكه الأصلي الذي بناه من الموسرين مادياً.. فالأقواس والمشربيات والدوائر التي زينت بها إنحاء البيت وجوانبه تؤكد حرفية ودقة في البناء.. بالإضافة إلى بقايا الرواشين الخشبية الباقية في الجزء الجنوبي من البيت مصنوعة من أخشاب ذات نوعية مميزة جعلتها قادرة على مقاومة آثار الرطوبة والزمن؟! قال الأستاذ أبو العينين عمدة البغدادية الغربي عندما سألته عن قصة هذا البيت: منذ مولدي كان هذا البيت موجودا.. وقد زاده الإهمال خراباً.. وأصبح وضعه لا يسر!! وأوضح الأستاذ هشام أبو العينين إنه كان يسمع من كبار السن أن هذا بيت لشخص يسمى أمير البحر، وهذا ليس اسمه وإنما هو كان مسؤولاً عن أخذ رسوم "جمارك" من أصحاب السفن والمراكب والصيادين قبل عهد الدولة السعودية.. وكان كما سمعت من بعض كبار السن من الأثرياء لهذا اختار موقعاً مميزاً لبيته خارج السور، ويحظى بإطلالة بانورامية على بحيرة الأربعين وبحر جدة. ويستدرك العمدة أبو العينين قائلاً: هذه الرواية تبقى غير مؤكدة لأن لا أحد ممن سمعتهم يتحدثون عن "أمير البحر" حدد اسمه.. وهناك بعض الأشخاص يقول أن البيت ربما يكون لشخص يدعى (أبو الفرج).. وربما هو للشربتلي ولكن بناءه قديم جداً. وطالب العمدة أمانة محافظة جدة بأن تعيد ترميم البيت، وتجعل من المنطقة التي حوله حديقة عامة تضفي علي الموقع جمالاً وتجعله متنفساً للسكان في الحي بعد أن تحولت جميع الساحات التي كانت الناس يجتمعون فيها.. ويمارس الشباب لعب كرة القدم فيها إلى ملكيات خاصة وابتلعتها حيتان العقار. اندثار الذكريات الأستاذ عبدالله سيت من سكان حي البغدادية الشرقي ومن القلائل من أبناء الحي الذين مازالوا باقين فيه قال: إن الكثير من الأشياء الجميلة التي كانت في الحي عندما كان سكانه جميعهم من أبناء البلد اختفت اليوم بعد أن أصبح غالبية سكانه من مختلف الأجناس.. ولم يعد أحد منهم يعرف جاره.. أو يهتم بالتعرف عليه. ويضيف إنه في السنوات الماضية كل من حولك من أبناء البلد.. وكل سكان الحي على قلب واحد في الأفراح والأحزان.. أما اليوم فإنك قد تمرض وتموت في بيتك ولا يعلم بك أحد من جيرانك. خلال الجولة في الحي التي رافقني فيها العم عبدالله سيت كان يحدثني وهو يتحسر على الكثير من الصور الجميلة التي اختفت وانطمست بعد أن ترك الكثير من سكان الحي بيوتهم للغرباء وذهبوا بعيداً إلى الأحياء الأكثر حداثة؟! عند إحدى الساحات وسط الحي وقف العم سيت طويلاً.. وكأنه يتذكر سنوات مضت منذ عهد قريب. وقال: هل تصدق أن هذه الساحة شهدت أفراح الكثير من شباب الحي وزيجاتهم قبل أن تغزونا قصور وصالات الأفراح.. وكان الجميع من أبناء الحي يعتبر زواج أي شاب من شبابه زواجاً لهم جميعاً، حيث يخرج كل شخص ما في بيته من "زوالي ومفارش" لفرش الساحة و"القدور" والصحون والبراريد والدلال كلها من بيوت الجيران.. ويتبرع أبناء الحي شباباً وشيباً لمساعدة العريس في فرحته التي ربما استمرت احياناً ثلاثة أيام في فرح وسعادة من الجميع.. أما اليوم فكما ترى لم يعد لمثل هذه الصور الحميمية من وجود بعد أن أفقدتنا الطفرة كل هذه القيم والمعاني. وفي موقع آخر قال العم سيت أنه كان في هذا الموقع منذ الثمانينات الهجرية صالة للسينما "سينما الجمجوم" وكانت تعرض أحدث الإفلام العربية للناس.. قبل أن يظهر التلفزيون. الكثير من الذكريات تداعت إلى ذهن العم عبدالله سيت وقال وهو يودعني بعد انتهاء الجولة - الله يسامحك لقد فتحت في قلبي جراحاً، وذكرتني بالذي مضى.. فأنا الوحيد الذي ما زلت مصراً على البقاء في بيتي رغم محاولات الأبناء أن أتركه إلى الأحياء الجديدة!! أسماء على لوحات شوارع الحي الكثير من أبناء الحي الذي سكنوه عاشوا فيه طفولتهم وشبابهم لم يعد لهم وجود فيه اليوم.. بل أن الكثير منهم سارع اليوم بعد رحيله عن المنزل الذي احتضن ذكريات طفولته وشبابه إلى هدمه ليقيم مكانه عمارة من الاسمنت المسلح.. وكأنما هو يتخلى عن كل ما يذكره بالماضي وعلاقته بهذا الحي. أخبرني العمدة هشام أبو العينين عمدة البغدادية الغربي أن الكثير من سكان الحي القدامى لم يعد لهم وجود فيه ما عدا بيوتهم التي حولها الكثير منهم إلى عمارات حديثة. وقال: من أشهر سكان الحي القدامى بيت العماري، وبيت السليمان، وبيت عمر ثابت وبيت القنة، وبيت المغربي، وبيت عبيد وبيت اللنجاوي، وبيت أبو داوود، وبيت حلاوة، وبيت الكيال، وبيت الراجخان، وبيت النانية وبيوت الأشراف، وبيت أمين، وبيوت الجماجمة، والبغدادي. وأوضح أن سبب تسمية الحي بهذا الاسم يعود لشخص يدعى البغدادي كان من أوائل من سكنوا الحي.. وقد عرف هذا الحي في وقت مضى بحي القناصل والسفارات قبل انتقالها للرياض.. كما أن الكثير من قناصل الدول التي بقيت في جدة انتقلت إلى الأحياء الجديدة، ولم تبق وفية للحي إلا القنصلية الإيطالية التي ما زالت في مبناها القديم في الحي ولم تغرها الأحياء الجديدة بالانتقال.
مواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك:
-
رد: حي البغدادية
يعطيك الف عاافيه على المعلومات الجميلة
البغدادية من الاحياء القديمة بجدة وله اهمية تاريخية مثل ما ذكرت
ولكن بحاجة للكثير من الاهتمام حتى يظهر بشكل افضل مما هوا عليه الان
ضوابط المشاركة
- تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات