[]
تبدو صحوة الجزائريين مذهلة.. ثمة رغبة هائلة في الحياة بكل تفصيل..
حوالي الساعة الثانية إلا خمس دقائق بالتوقيت المحلي الجزائري، وصلنا إلى مطار الجزائر، أقلني الشابان اللذان كانا في انتظاري إلى فندق (الأوراسي) فندق جميل وقديم جدا بني على واحدة من أعلى هضاب الجزائر يطل على البحر وعلى معظم جهات المدينة، بعد الظهر كانت هناك سيارة مخصصة لنقلي إلى (صالون الجزائر الدولي للكتاب) وهي الجهة الداعية لي للمشاركة في أمسية شعرية ضمن النشاطات الثقافية المرافقة للصالون. تحت المطر الذي لم ينقطع طيلة وجودي في الجزائر كان يتوافد الجزائريون القادمون إلى الصالون، أعداد كبيرة من البشر، من مختلف الأعمار، أعداد مفاجئة لي، لم أر هذا التوافد البشري إلى معرض كتاب في أية دولة عربية! الصالون عبارة عن مجموعة كبيرة من الخيم الأنيقة العازلة موزعة على خمس سرادقات طويلة جدا بما يتسع لأكبر عدد من دور النشر المشاركة! تجوّلت في أروقة الصالون حيث وجدت بعض الأصدقاء من الناشرين السوريين واللبنانيين، الجميلة لينا كريدية، صديقي ناظم حمدان ورنا إدريس، ثم عدت إلى الخيمة المخصصة لاستقبال الضيوف، جلست وأنا لا أعرف أحدا لأسمع اسمي يذكر من شخص يتحدث مع آخر ويقفان جانبي، أنا رشا عمران قلت للمتحدث، مصطفى ماضي رد عليّ معرفا بنفسه ومرحّبا بي، مصطفى ماضي هو أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الجزائرية وأحد المنظمين في الصالون، وأولا هو الشخص نفسه الذي قام بدعوتي والتواصل معي قبل وصولي، مساء ذهبنا إلى العشاء في مطعم راق مع مجموعة من الأصدقاء، طلبت نبيذا جزائريا كنت اكتشفته في زيارتي السابقة إلى الجزائر قبل عامين، أفضّل أنواع النبيذ الموجودة في الجزائر.. في هذا العشاء كان الأصدقاء، مصطفى، عبد الكريم وجمال، يتحدثون معي باللغة العربية المخلطة أحيانا مع بعض الكلمات الفرنسية بسبب العادة، شيء ما لمسته خلال وجودي في الجزائر هو حب الجزائريين لسوريا وللسوريين، في كل لحظة هناك كنت أشعر بهذا الحب!! بعد قليل انضم ألينا أحميدة العياشي، الروائي والمسرحي ومدير جريدة الجزائر نيوز، أحميدة العياشي التقيته قبل سنتين في الجزائر وعدت والتقيته في مهرجان أيام عمان المسرحية، ثم جاءني إلى سوريا لحضور مهرجان السنديان، بعد العشاء ذهبت برفقته ونور الدين عزوز، مدير تحرير 'ألجيري نيوز'، لإكمال السهرة، كان عليّ في أول يوم من وصولي أن أكتشف جانبا آخر من الجزائر لم أعرفه في زيارتي السابقة، الجزائر العاصمة المدنية والمدينية والمنفتحة، ما يعطي المدن صفتها المدينية هو منظومة علاقاتها الاجتماعية والاقتصادية وحياتها الليلية، الحياة الليلية في الجزائر العاصمة تشبه تلك التي في دمشق أو بيروت، كان هذا مفاجئا لي، قلت لرفقتي، أحميدة ونور الدين والجميلة فاطمة بارودي الصحفية التي انضمت إلينا لاحقا: لو أخبرت أحدا في المشرق عن حال الجزائر التي أراها الآن لما صدقني أحد، ثمة نظرة 'مشرقية' مسبقة عن الجزائر، نظرة ربطت الجزائر بما حدث فيها في السنوات العشرين السابقة، تنامي الحركات الأصولية التكفيرية، اتساع رقعة الإرهاب وامتدادها على مساحة الجزائر، الخوف اليومي من القتل والتفجير والموت، كل ذلك ساهم في تراكم نظرة سلبية عن الجزائر، على أن رغبة الحياة تبقى أقوى، ثمة مقاومة مضادة للعنف وللموت وللخوف وجدتها في كل لحظة، مقاومة اجتماعية ومقاومة ثقافية، اجتماعيا تبدو صحوة الجزائريين مذهلة، ترى حركتهم في الشارع، في المطاعم، في مقاهي الرصيف المنتشرة في وسط العاصمة، في طريقة اللباس، ثمة رغبة هائلة بالحياة في كل تفصيل، أما ثقافيا،فيبدو الأمر أكثر وضوحا ونصاعة، المثقف الجزائري العلماني هو علماني حقيقي، لا التباس في ذهنيته، ولا ازدواجية بدأت تظهر لدى علمانيي المشرق العربي، علمانية المثقف الجزائري مرتبطة بمسألتين أساسيتين، رفض الإرهاب والأصولية والتكفير والمطالبة بفصل الدين عن الدولة دونما المساس بعقائد أفراد المجتمع، والمسألة الثانية هي الرغبة في المضي بحركة التعريب دونما الدخول في أوهام الانتماء القومي العربي مراعين بذلك الخصوصية الجزائرية التي يتساوى فيها عدد الأمازيغ والعرب، وأيضا دون الدخول في آلية العداء للغة الفرنسية كلغة 'كولونيالية' والتعامل معها بصفتها ثقافة أخرى موجودة في اللاوعي الجزائري ويمكن الاستفادة منها في إغناء الحراك الثقافي اليومي في الجزائر. المقاومة، ثقافيا واجتماعيا، وجدتها أيضا في الاعتماد على العناصر الشابة في الشغل الثقافي والصحفي اليومي، كان مدهشا لي ما رأيته في زيارتي لجريدة 'الجزائر نيوز' كادر العمل الكبير في قسمي الجريدة العربي والفرنسي، هو من الشباب بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين، جيل شاب بالكامل، في التحرير والإشراف والإخراج والتصميم والتصحيح في كل المجالات، نموذج يؤسس لمستقبل جديد في الجزائر، يثق بما لديه من طاقات وإمكانات بشرية، نموذج كم نحتاج، نحن المشرقيين، للاقتداء به.
الأمسية الشعرية
كان يفترض أن تضم الأمسية إضافة إلى الشاعرة الجزائرية زينب الأعوج، وكاتبة هذه السطور، الشاعر السوري نوري الجراح الذي غاب عن الأمسية، غيابه كاد يجعل الأمسية نسائية لولا وجود الشاعر الجزائري عمر أزراج الذي قام بإدارة الأمسية. تجاوز عدد الحضور في الأمسية الثمانين شخصا، وهو حضور جيد نسبيا بالقياس إلى نسبة الحضور في الأمسيات التي تقيمها المؤسسات الثقافية الرسمية في بلاد العرب، على أن ما ميز هذه الأمسية، رغم رسميتها ورغم حضور وزيرة الثقافة الجزائرية، هو مزاجها الأهلي والمدني، إضافة إلى تنوع الحضور بين مجرد مهتمين، إلى صحفيين، إلى شعراء شباب وأكاديميين، إضافة أيضا إلى وجود نسبة لا بأس بها من الفرانكوفونيين من الجزائريين المقيمين في فرنسا. الشاعرة زينب الأعوج افتتحت الأمسية بقصيدة مكتوبة بالعامية الجزائرية ثم قرأت من كتابين مختلفين، وغلب على قراءاتها النص الوطني ذو النبرة النبرة العالية، النبرة التي جلبت تصفيق الجمهور، ما جعلني أخشى من رد فعل الحضور على نصوصي ذات النبرة الخافتة والمختلفة كليا عن نصوص شريكتي في الأمسية، إلا أن المفاجأة كانت في الإنصات التام لي أثناء قراءتي وفي التصفيق عند بعض الجمل الشعرية 'الجريئة' -إن صحت التسمية- ثم في الإجماع على الإعجاب بنص جديد لي بعنوان 'الأفعى' ينسف النسق السائد الذي يرى في الأفعى الشر المطلق! إذن، هذا الجمهور الذي بدا لي في البداية متحفظا وكلاسيكيا تقبل نصي الجديد كليا بحب وبفهم عميق لماهية الشعر وكيميائه!!
الجزائر مرة أخرى
ثمة في الجزائر ما يؤهلها لأن تكون من أهم الدول التي تعتمد على السياحة في إيرادها القومي، امتدادها على مساحة واسعة جدا، تنوع طبيعتها الجغرافية، مساحة الخضرة التي بها، جبالها، بحرها، سهولها، حقولها، صحراءها، طابعها الذي لا يشبه لا الشرق ولا الغرب ولا يختلف عنهما في الوقت نفسه !! مشكلة الجزائر هي في عدم الترويج الإعلامي وعدم تسويقها سياحيا، لا عربيا ولا أوروبيا، مشكلتها هي في التغاضي الرسمي والشعبي عن الصورة النمطية التي روجت لها الصحافة العربية وغير العربية عبر السنوات الخمسة عشر الماضية والمضادة تماما لواقع الجزائر الحالي، قلت للكثير من الأصدقاء هناك إن الجزائريين خارج الجزائر يبدون وكأنهم يخجلون من الحديث عن الجزائر بشغف وحب وشوفينية ضرورية جدا أحيانا، كأن الجزائر لا تعنيهم، قلت لبعض الأصدقاء هناك إن الجزائر هي البلد الوحيد الذي أعتقد أنني يمكنني العيش فيه بعد سوريا، ثمة هذه التلقائية لدى شعبها، هذا الاحتضان، هذه القدرة على الحب: أحميدة، فاطمة، نور الدين، الخير، سارة، توفيق، زينب، ربيعة، أمين، حسن، مصطفى، نوارة، لميس، عبد القادر، وهيبة، آمال، أشخاص كثيرون قابلتهم اختزنت ذاكرتي وروحي حميميتهم ودفأهم قبل أن تختزن أسماءهم .
دمشق
أنا في دمشق الآن، دمشق البهية متجددة الجمال، لكنني حتى هذه اللحظة مازلت أختبئ تحت جناح ذلك الدفء الجزائري، ما زلت أنتظر أن أطول دفء جناحها الثاني.
رشا عمران - شاعرة من سوريامواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك:
- يااخوان انا الان في عمان ساعدوني
- استفتاء لافراد بوابة مستقلة للأردن
- محتااااجة مساااااااااعدة الله يخليكم
- جو الاردن
- صور ثلوج عمان
- مدينة الرفراف ببنزرت
- كيف الذهاب الى سقطرة
- محتاج واحد خبرة بعيدا عن التقارير السابقة تكفووووووون
- صور من الاردن رهيبة
- استفسار عن تونس هل للي راح لها رائكم يهمني
- مراكز اماكن التسوق في مشهد
- ممكن الاستفسار عن العقبه
- اجمل موقع اثري روماني في شمـــــــــال افرقيا مدينة دقــــــة الاثرية
- كيف الوصول للمطار
- المنازل الفلكية توايخ الفصول الأربعة جدول مهم وجميل
- أضخم مشروع سياحي في المنطقة بالبحر الميت
- صور لرحلتي الى اهل الكهف والبحر الميت في الاردن
- منو راح ايران جروبات
- اطبع هذا الدليل الإرشادي المركز أثناء عزمك للسفر إلى مدينة إب
- الدراسة في اليمن
المفضلات