السلام عليكم
حينما غادرنا الجزائر باتجاه البحر كانت نفوسنا تقول: "وداعا يا جزائر الشهداء، وداعا يا تاج المدائن، يا عاصمة الكفاح، يا قصبة الجهاد، بأي وجهٍ سنودعك وبأي يدٍ سنلوح لك، يا من سطرتِ أجل ملاحم التضحيات والفداء، ونقشتِ على جبين الزمن أسمى معاني الحرية،ها نحنُ تسحبنا سفينة (كابتن زمان)التركية في اليم عنك، لكنها لم تستطع أن تسحبنا من حبك، الذي أوقعنا فيه طهرك السرمدي..".
تبدو الجزائر من البحر مدينة نائمة في كنف هضبة تخفي في حضنها بيوتا وساحات لا تُرى ، وهو ما أوهم الغزاة بأن المدينة سهلة المنال، فما علموا أنه في كل شارع وزقاق وبيتٍ قديم شرفٌ و كرامة تذود عنها الأجيال المتعاقبة جيلا بعد آخر بكل غالٍ ونفيس.
كنا نمني النفس بزيارة الجزائر منذ أمدٍ بعيد،كما هي أمانينا بالزيارة والطواف في مدنٍ مثل (أم قصر) و(عيتا الشعب) و(جنين) و( مقديشو فارح عيديد) مدن أوجدت نفسها في جغرافيا الصمود واعتلت المجد.
عندما أُحدِّث الأصدقاء عن نيتي لزيارة الجزائر يقولون "للأسف ليست آمنة"،كان الإعلام هو الذي يصور لهم هذه الفكرة، ومن خلال دراستي أدركت بأن الجماهير لا تستطيع اتخاذ القرار بمعزل عن الإعلام ودون اعتبار لهذه الآلة فقد سئلت عدة مرات عن استخدام البطاقات لدخول مساجد تونس ويقول من سألني إن هذا الخبر مدون في الصحيفة هذه أو المجلة تلك، وكأن الصحف والمجلات كتب سماوية لا تخطيء، وخلال وجدي في تونس لمدة ليست بالقصيرة، والصلاة في العديد من مساجدها وفي مدن متعددة وأوقات مختلفة، لم أر مصلين يدخلون المساجد بالبطاقات،أو يمنعون من الصلاة، فإذا كانت إسرائيل لا تفرض على المسلمين في فلسطين بطاقات ممغنطة لدخول المساجد، فكيف تنطلي هذه الإشاعة على عقول الناس؟!،وتصدق بأن بلدا عربيا مسلما، يمنع الناس من الصلاة في المساجد، إنها وسائل الإعلام تتلاعب بعقولنا كما كتب (هربرت شيللر) في كتابه (المتلاعبون بالعقول)، وربما يرجع ذلك التصديق إلى وجود فجوة في المعلومات بين المشرق العربي ومغربه، أما بالنسبة للجزائر فصحيح أنها شهدت أحداثا دامية في بداية التسعينيات من القرن الماضي، لكنها انتهت وطويت صفحة تلك السنين السوداء إلى غير رجعة، بعد المصالحة الوطنية التي أطلقها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، واستجاب لها الشعب الجزائري ، قبل ذهابي للجزائر قال لي بعض الناصحين : هناك الشعب عربي واللغة فرنسية، ومن ثم سيصعب عليك فهمهم، ولن تجد من يساعدك ، لم أهتم بهذه النصيحة لأن ( شعب الجزائر مسلمٌ، وإلى العروبة ينتسب) كما قال الشيخ عبد الحميد ابن باديس، بل إن هناك يقظة إسلامية وعربية قل مثيلها في بلاد أخرى، فجيل الشباب يتقن لغة الضاد، وكل من سألته يردّ عليّ بلسان عربي فصيح، وتغلق معظم المحلات التجارية أبوابها عندما يحين وقت الصلاة.
في البداية كانت فكرة السفر إلى الجزائر عبر البر من محطة (باب البحر)بتونس العاصمة في سيارات جزائرية، إلى مدينة (عنابة) في الشرق الجزائري، ومنها إلى العاصمة في قطار سريع تستغرق الرحلة فيه سبع ساعات،أو التوجه نحو مدينة (قسنطينة) عش النسر، كما يُطلق عليها لأنها تقع على قمة صخرية مقسمة إلى نصفين يربط بينهما سبعة جسور معلقة، ومن (قسنطينة) إلى العاصمة، لكنني فضلت السفر بحرا،لأن الرحلة تدوم 24 ساعة في البحر، ومن ثم سيكون الغروب ساحرا، يتلون الكون من حولي بتدرجات لونية برتقالية وبنفسجية وقرمزية،كما يمكن أن أعيش أجواء رواية (البحر والسفينة وهي) لروائي البحر حنه مينه و تدور أحداثها بين رسامة والسارد بطل الرواية في سفينة ركاب سياحية.
يكون السفر ممتعا حينما تكون وحيدا كما قال الطبيب والروائي السوري خليل النعيمي" أحب السفر وحدي إلى أماكن لا أعرف ولا يعرفني فيها أحدا، فالسفر مع آخر يلجمني ويحد من حريتي".
كانت السماء ملبدة بالغيوم في ميناء(حلق الوادي) بتونس على غير عادة الصيف، لأن (الاحتباس الحراري)غيّر خارطة المناخ حسب مزاجه، ليغيظ الإنسان المتسبب في ولادة هذه الظاهرة المحيطة بكرتنا الأرضية التي ضاقت بنا، السماء تمطر وأناسٌ على الرصيف يودعون أحبابهم ، وبقيتُ الوحيد بلا مودعين سوى مئذنة وصومعة يطلان من بعيد،اختفت مدينة تونس وضواحيها الجنوبية، وظل (جبل بوقرنين) يرافقنا ونحن نشق العباب على ظهر سفينة (لاتو) اليونانية تقودها موسيقى شعبية جزائرية، على ظهر السفينة يلتقط المسافرون لحظات ستبقى في ذاكرة الصور، لحظات ستنتهي وأشخاصها سيختفون، وإن سلموا فإن معول الزمن سينحت وجوه الشباب وسيحوّل الأبدان الغضة إلى جلود مترهلة، والصدور النافرة إلى قِرب لا تثير الناظرين، ما لم تسجل تلك اللقطات في شريحة إلكترونية،أو تطبع على صور (فوتوغرافية)، لتبقى الصور تنسج ذكراها على خيوط الزمن،حتى وإن حل الهجر بالقلوب،أو باعد الفراق بين الأرواح ،أو سحبها (أبو يحيى) معه إلى السماوات العُلى.
السفر في البحر يغري بالمغامرة، خاصة إذا كانت السفينة مدينة عائمة ولا ينقصك من البسيطة سوى بعض السكينة ، تتمنى أن تبتعد السفينة ومن فيها عن اليابسة وألا ترسو إلا في مرافئ الحنين.
استغرقت الرحلة من ميناء (حلق الوادي) إلى ميناء الجزائر أقل من عشرين ساعة،مررنا خلالها بالجانب الشرقي من الجزائر،ثم ظهرت العاصمة،وأول ما يظهر منها نصب (مقام الشهيد) راسخ على أعلى هضبة تطل على الميناء، وقد دشن المقام الرئيس السابق الشاذلي بن جديد في نوفمبر 1982م،تحت النصب يقع متحف المجاهد، الذي تشرف عليه وزارة المجاهدين، يضم المتحف بين جنباته المراحل التاريخية التي مر بها الجهاد في الجزائر، من المقاومة الشعبية ومبايعة الأمير عبد القادر وعمره لم يتجاوز آنذاك الخامسة والعشرين بعد،إلى مقاومة جبهة التحرير التي قادها أبطال أشداء، أذاقوا المحتل الآلام وأثخنوهم بالجراح، وركّعوهم في أكثر من موقع، ومن أولئك الأبطال الذين تزين صورهم جدران المتحف،(العقيد عميروش)أو ذئب الصومام- منطقة من مناطق القبائل- و(كريم بلقاسم) و(جميلة بوحيرد)، و(محمد بوضياف)أو(سي الطيب)كما يلقب، ومهندس القنابل(عبدالرحمن طالب)، وصورة (علي عمّار) المعروف (بعلي لابوانت) ومازالت بندقيته المحترقة شاهدة على الطريقة الوحشية التي قتل بها ، فقد نُسف بيته في القصبة ،التي تحصن فيها مع (محمود بوحميدي)و (حسيبة بن بوعلي) والطفل(عمر الصغير)، رافضين الاستسلام، كما توجد صورة للمناضل الشهيد (العربي بن مهيدي) أسطورة الثورة الجزائرية وأحد قادة معركة الجزائر، في سجنه والأغلال في يده ينظر بتحدي إلى سجانه الفرنسي، وقد استشهد بن مهيدي تحت التعذيب، رافضا الوشاية برفاقه، وعندما فارق الحياة رفع له معذبه الفرنسي(بيجار) التحية قائلا:"لو أن لي ثلة من أمثال العربي بن مهيدي لغزوت العالم"، وجه مشرق آخر من وجوه هذه الأمة التي تعاقبت كل الدول العظمى على النيل منها، وفي المتحف أيضا صور لآلاف الرفات التي عُثر عليها بعد الاستقلال، وصور لمئات الضحايا الذين أحرقوا بقنابل(النابالم) وهناك العديد من قطع السلاح التي استعملها المجاهدون الجزائريون، في مراحل كفاحهم ضد المحتل الفرنسي، من السلاح الأبيض إلى الأسلحة الرشاشة الحديثة،كما توجد بعض السروج والمقتنيات التي أعادتها فرنسا كهدايا للرئيس بوتفليقة،أثناء زيارته لها عام 2000م، وتوجد أيضا الأغلال والسياط التي استعملها المستعمر الفرنسي ضد الشعب الجزائري نساء ورجالا، وكانت المرأة الجزائرية مشاركة مع أخيها الرجل في مقاومة المحتل،من تهريب الأسلحة إلى وضع القنابل في الأماكن التي يرتادها الفرنسيون، نرى في متحف مقام الشهيد الوجه الآخر للكونيالية، ففرنسا كانت تتشدق آنذاك بحقوق الإنسان والحرية ، ولكنها كانت تمارس أبشع أنواع التعذيب في الجزائر، من المقصلة إلى قتل المدنيين في الشوارع، ففي سجن (باب الجديد) فصل المستعمر الفرنسي بالمقصلة رأس 69 مجاهدا، ما زالت أسماؤهم والسنة التي أعدموا فيها محفوظة في جدارية السجن الذي تحول الآن إلى مدرسة لإعادة التربية.
كما عمدت الإدارة الفرنسية إلى تجهيل الجزائريين و أطلقت عليهم (الأهالي)، و بلغت الأمية في الجزائر في الأربعينيات من القرن الماضي إلى حوالي 90%، يذكرنا هذا بما يحصل الآن في العراق، فالولايات المتحدة احتلت العراق باسم الديمقراطية، وترى أنها تدافع عن الحريات وتحاول تصديرها إلى العالم، وهي الدولة الأولى التي تنتهك الحريات وحقوق الإنسان، وتخرق المعاهدات والمواثيق الدولية، بشهادة المنظمات الدولية ومراكز الأبحاث ، خاصة في ظل إدارة بوش والمحافظين الجدد، وليس من باب المصادفة احتلال الجزائر من قبل، وزعزعة أمنه من بعد ، واحتلال العراق وإبادة شعبه، فالجزائر والعراق بلدان يمكن أن يكونا فاعلين في النهوض بالأمة العربية.
في متحف المجاهد تصدح أشعار مفدي زكريا شاعر الثورة الجزائرية، وواضع كلمات النشيد الوطني الجزائري(قسما بالنازلات الماحقات،والدماء الزاكيات الطاهرات، والبنود اللامعات الخافقات،في الجبال الشامخات الشاهقات.....) وقد كتبه في سجن بربوس عام 1956م،كما كتب أيضا نشيد الجيش الجزائري، وألّف (إلياذة الجزائر) التي تحتوي على ألف بيت في الثورة الجزائرية، ومفدي هو لقبه الأدبي، أما أسمه فهو (زكريا بن سليمان).
المتحف بمثابة ذاكرة للجهاد والمجاهدين في الجزائر تحكي للأجيال ذكريات الكفاح التي دامت أكثر من 130 عاما،نضالا قل مثيله في العالم، وعلى مقربة من (مقام الشهيد) يقع متحف الجيش الجزائري، وتفصلهما ساحة (رياض الفتح) التي بُني تحتها مجمع تجاري،ونفق يصل بين حي القبة وحي المرادية.
عند اقتراب السفينة من الرصيف تبدو البيوت البيض المحيطة بالميناء ، والتي تتوسطها بناية (ولاية الجزائر) كثغر باسم يرحب بالضيوف،يظن من يرى المدينة أن الجزائر مدينة بلا أبواب،تبدو سهلة وبسيطة لكنها صعبة مستعصية لا تهب نفسها للغرباء،وهذه ميزة المدن العظمى أمثال مدينة سان بطرسبرج (ستالينجراد) التي انهزم فيها الألمان في الحرب العالمية الثانية ، في اليوم الثاني لوصولي و قبل أن أتعرف على العاصمة، ركبت القطار السريع من محطة(الآغا) قرب الميناء باتجاه مدينة (وهران الباهية) كما يطلق عليها في الغرب الجزائري،المدينة التي بناها البحارة الأندلسيون سنة 902م،انطلق القطار بطيئا في البداية ثم أطلق عجلاته للريح، وكلما ركبت قطارا تذكرت قصيدة الشاعر العراقي (مظفر النواب) التي كتبها بالدارجة العراقية " مرينا بكم حمد وحنّا بقطار الليل، وسمعنا دك إقهوه ،وشمينا ريحة هيل، يا ريل صيح بقهر،صيحة عشق يا ليل"،قطع القطار المسافة بين العاصمة ووهران في خمس ساعات،ينعطف بنا القطار في تعرجات الأودية، وأحيانا يدخلنا في أنفاق مظلمة، ثم يلوح لنا ضوء في آخر النفق- ضوء النفق أفاق معه الفيلسوف (ميشيل فوكو) بعد أن أصيب بحالة جنون- يحملنا القطار على جسور معلقة فنرى الغابات أسفل منا، وأحيانا أخرى ينعطف كالثعبان ونرى مقدمته تلج في نفق آخر،الأشجار والأحراش تكسو الجبال التي تحيط بنا من عدة اتجاهات،بعض الغابات احترقت وأصبحت رمادا بعد موجة حر تعرضت لها الجزائر،العديد من الأشجار ماتت واقفة في صورة أخرى من صور الصمود ضد الفناء ، نصل وهران أخيرا وننزل في محطتها التي تعتبر تحفة أثرية، يقال إن كلمة وهران هي مثنى لكلمة(وهر) - من أسماء الأسد- و يقف عند مدخل قصر البلدية تمثالان لأسدين من البرونز يحرسان باب البلدية في ساحة أول نوفمبر54، التي يوجد بالقرب منها أيضا (مسرح الأوبرا)
كما ينتصب وسط الساحة تمثال لفتاة بجناحين وفي يدها غصن زيتون،يتوسط النصب تمثال نصفي للأمير عبد القادر.
تطل على مدينة وهران كنيسة (سانتا كروز) ومنها ترى كل المدينة، وهناك شبهٌ بين (الكورنيش) الذي يطل على مرفأ وهران وبين (كورنيش) مدينة بيروت، ودعت مدينة وهران صباح اليوم التالي وهي ناعسة مبللة بندى الصبح، فبدأت أجمل من عيون عذراء تلمسانية، ما يلفت الانتباه في وهران والعاصمة أيضا،انتشار محلات الوجبات السريعة،التي تحاول أضواؤها الملونة أن تُخفي أسماء المجاهدين الذين يحيون في الشوارع كما هم خالدون في الذاكرة، الشوارع لا تحمل أسماء (الورد) أو (السهول) بل تضع على ناصيتها أسماء من كتبوا بدمائهم حرية البلد وعزتها.
في رجوعي للعاصمة كان لدي بعض الوقت لزيارة القصبة أو (حي البسطاء) ويعد من أشهر أحياء مدينة الجزائر وأقدمها،إذ ترجع مبانيه إلى العهد التركي، في القصبة اشتعلت الثورة الوطنية، وبين أزقتها الضيقة دارت معركة الجزائر التي اعتبرها بعض المحللين،الحلقة الفاصلة في مسيرة النضال الجزائري، ونظرا لأهميتها أدرجتها اليونسكو على قائمة المحميات الأثرية،وفيها أيضا تم تصوير فيلم (معركة الجزائر)*، يوجد أسفل القصبة مسجد(كيتشاوة) محافظا على طرازه العثماني، و(كيتشاوة) قيل لي إنها كلمة تركية تعني بالعربية (ساحة الماعز) إذا كانت تباع الماعز أمام ساحته ، وما زال الباعة يفرشون بضائعهم على درجه، وبين الباعة تتجول طفلة لم تتجاوز الرابعة من العمر مع أمها، وتهتف الطفلة بأعلى صوتها "تحيا الجزائر، تحيا الجزائر"، بعد زيارتي (لمتحف الشهيد) و مشاهدتي لفيلم(معركة الجزائر) أدركت كم كان مؤثرا هذا النداء الذي تطلقه الفتاة.
يعلو القصبة تلٌ بُنيّ عليه قصر(الداي حسين) والدايات هم حكام الجزائر باسم الباب العالي، ويسمون في تونس (البايات) وهم ولاة عثمانيون، يشهد القصر ترميمات وإصلاحات ، وهو القصر الذي شهد حادثة المروحة الشهيرة،التي ضرب بها (الداي حسين) القنصل الفرنسي حينما استفزه، وهي الحادثة التي اتخذتها فرنسا ذريعة لغزو الجزائر.
من هناك تجولت في منطقة(الأبيار) ومن ثم هبطت المنحدر ومررت على (فندق الجزائر)الذي أسُس سنة 1889، وقد قال عنه الكاتب الفرنسي(هنري دي منترلان) "هناك جنات فوق الأرض" وكان الكاتب قد أقام بضع سنوات في ذلك الفندق المتميز بفنائه وأشجاره الوارفة الظلال والتماثيل التي تؤثث الحديقة،كان الفندق يحمل اسم(فندق سان جورج) وقد أسس على أطلال قصر عربي/عثماني واحتفظ بطابعه العثماني، ومن أشهر رواده (رديار كيلينغ) دوق(فاندوم) و(سيمون بوفوار) و(ونستون تشرشل) و(إيزنهاور)، وفي الحرب العالمية الثانية أصبح الفندق مقرا للقيادة المشتركة الفرنسية الأمريكية، يجمع (فندق الجزائر) بين الفندقة والمتحف.
في اليوم التالي توجهت نحو تل آخر تقع عليه كنيسة(السيدة الأفريقية) في حي (بولوغين) ترتفع الكنيسة فوق سطح البحر ب(124)مترا،مما يجعلها تشرف على بعض أحياء العاصمة ، وقد بُنيت الكنيسة على طراز بيزنطي استغرق بناؤها أربعة عشر عاما، لتكون مرآة لكنيسة (سيدتنا الحارسة) في مرسيليا جنوب فرنسا، وتشهد الكنيسة ترميمات تقوم بها الحكومة الجزائرية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، للحفاظ عليها بعد تأثرها بعوامل طبيعية كالرياح والزلازل، يتم التنقل إلى أعلى التل بواسطة (التلفريك) من أسفل التل،أو عن طريق متعرج، ولكن (التلفريك) كان معطلا ويخضع لإصلاحات مما حرمني من رؤية المدينة من الجو، لذلك كان علي تحمل مشقة صعود التل الذي لفه ضباب قادم من البحر، فذكرني ذلك المكان بطفولتي في مرتفعات (قصص آدين) في الجزء الغربي من (دهق آصولوت) أو كما يعرف (بجبل سمحان).
من الأماكن الجديرة بالزيارة في الجزائر الساحات العامة،التي تتوزع في أحياء العاصمة فهناك ساحة حرية الصحافة، وساحة أول مايو54، وساحة الأمير عبدالقادر(1808-1883) التي يتوسطها تمثاله ممتطيا جوادا عربيا، ومشهرا سيفه باتجاه الغرب، من حيث يأتي الغزاة والقراصنة،الساحة تقع أمام مجلس الأمة في شارع العربي بن مهيدي، وتحت تمثال الأمير كتبت مقولته الشهيرة"إنني لم أصنع الأحداث بل هي التي صنعتني،إذن الإنسان كالمرآة والمرآة لا تعكس الصورة الحقيقة إلا إذا كانت واضحة وصافية".
ينتصب في طرف ساحة الشهداء باتجاه حي (باب الجديد) تمثال القبطان(الرايس حميدو أمير البحرية الجزائرية 1773-1815م) الذي ولد بالجزائر لأب جزائري خياط وقد هيأه والده لممارسة الخياطة ،ولكن حميدو كان يهجر ورشة الخياطة ويقصد بعض البحارة يستمع لرواياتهم ورحلاتهم، ثم هجر الخياطة للعمل بحارا على سفينة أحد القراصنة، وكان يقول"إن كل ما يريده من وراء صعود صواري السفينة، هو استرخاء ركبتيه اللتين أصابهما الفشل بفعل وضعيتهما غير المريحة أثناء الخياطة" .
ترقى (الرايس حميدو) من بحار إلى ضابط ثم إلى أمير البحر(أميرال) ويعد أول عربي يتقلد هذا المنصب،إذ كانت المراكز القيادية حكرا للأتراك ، وقد فرض سيطرته على البحر المتوسط، يدافع عن الشواطئ الجزائرية التي يهاجمها القراصنة الأوروبيين، واستولى على واحدة من أكبر السفن البرتغالية، وقد أصبحت تبحر باسم (البرتغيزة) وكان قبلها قد استولى على سفينة أمريكية هي(الميريكانا)، وكانت نهايته على يد الأمريكيين.
كانت الولايات المتحدة قد وقعت معاهدة سنة 1795م مع الجزائر تدفع بموجبها إتاوة مقابل سلامة سفنها، ودفعت الإتاوة دون انقطاع حتى عام 1812 حين ألغى الرئيس الأمريكي جيفرسون هذه المعاهدة،مما جعل (الرايس حميدو) يستولي على سفينة أمريكية ثم هاجمه الأسطول الأمريكي وأرداه قتيلا، وقد أوصى بأن تلقى جثته في البحر حتى لا يحصل عليها الأعداء.
استقبلتنا النوارس وتبعتنا حتى ألقت السفينة مرساها، ثم ودعتنا مرة أخرى ونحن نلملم ما تبقى منا ونرحل،كانت العودة بلا طعم ولا رائحة لولا قمر يضئ كمصباح منارة عتيقة في مرفأ يرتاده الصعاليك والخارجون عن عرف الآخرين، رجعنا هائمين ينتابنا الشوق لمكان لا ندري أين أضعناه، ونخشى أن نظل طول العمر نبحث عنه بلا جدوى ولا حنكة دليل، قليلة هي المدن التي تترك مسها على زوارها ، في البداية يكون الفراق جراحا مفتوحة ثم تصبح الجراح ذكرى وحنينا، رجعنا تشدنا مقولة ت.س.إليوت "ارتحلوا..انطلقوا أيها الرحّالة، فأنتم لستم نفس الأشخاص عند بدء الرحلة ".
* فيلم معركة الجزائر من إنتاج إيطالي جزائري مشترك عام 1966م، يعده بعض النقاد كأحد أفضل الأفلام في التاريخ، وفاز بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية الدولي سنة 1966،ورشح لأوسكاري أفضل مخرج وسيناريو أصلي، والفيلم من إخراج الايطالي (جيلو بونتكورفو)- توفى في اكتوبر2006م- وقد منع الفيلم من العرض في فرنسا لمدة 40 سنة، يعتمد سيناريو الفيلم على مذكرات المناضل (سعدي يوسف)الذي أدى فيه دور المناضل (الهادي جعفر).
منقول
محمد الشحري: كاتب وقاص من عُمان.مواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك:
- الأسعار والتكاليف
- السفر لعدن
- ان شاء الله ادعولي اخد التاشيرة لتونس
- تونس حضارة و تاريخ صور
- اريد زياره تونس ولكن
- وين اروح في الأردن
- افضل دكتور عظام للاطفال
- السفر من الاردن الى رومانيا بسيارة مستاجرة
- عشر ايام في تونس
- ماهي متطلبات السفر من الجزائر الى الاردن ارجو المساعدة
- صور اخر ثلجة بجنوب الاردن
- خبراء عمان
- اتمنى المساعده
- موريتانيا إمكانيات سياحية في انتظار السياح
- مكن جدول مقترح لزيارة تونس من الأخوة الأعضاء
- تونس تستقبل اضخم السفن السياحية في العالم
- كلاردشت سجن بين الجبال
- أي الفندقين أفضل في عمان
- استفسارات مهمه لتونس الحبيبه
- اريد شقة صغيرة في العاصمة التونسية كم تكلفتها؟؟
المفضلات