على شاطئ «ميدي»..
تستحمُ أغنيةٌ زرقاء.. وجنيةُ البحر تكشف عن ساقيها..!!
.استطلاع/ بشرى الغيلي
يراود مُخيلتي حُلمُ البحر عند كل رعشة صمت.. فتخرس بأعماقي آلاف الكلمات الحمقاء.. لحظتها أغمض عيني برُهةً وأسرحُ ببصري بعيداً حيث استقر بأمواجه الدافئة الحنون.. طقوس روحية أمارسها مع ذاتي حين تتلبس خطيئة الحرف أصابعي، وأنا القروية القادمة من أعالي الجبال.. حيث لا بحر.. ولا شاطئ.. وحين تقود خطواتي يد الأقدار إلى الشاطئ.. أجلس قبالته فأخلع عني كل طقوس الخيال التي تشبثتُ بسرابها، وهناك على شاطئ «ميدي» ابتهلت الروح بشفافية أغنية زرقاء.. وكشفت جنية البحر عن ساقيها..
فكان الوعد مع دهشة الاكتشاف لبقعة ترقب الزمن بصمت مطبق هي مديرية «ميدي» التي تقع على الشريط الساحلي للبحر الأحمر.. وتتبع إدارياً محافظة «حجة».. فإلى هناك عزيزي القارئ أشعل قناديل خيالك مع سطور هذا الاستطلاع وعش لحظاته بروحك التواقة صوب مواطن الجمال المدهش.. وتلذذ بمذاقه الممزوج بنكهة الإكتشاف.. ونبيذ الإطلالة الأولى».
بداية الانطلاق
كان جميع من استعدوا للرحلة قد تواجدوا في المكان المحدد مبنى إذاعة «حجة» في الساعة الثانية بعد الظهر.. ولأننا شعب «يمني» نلتزم بدقة مواعيدنا.. هناك من أضاف على الوقت المحدد «10» دقائق أو تزيد الرحلة كانت مفاجأة أعلنها الدكتورـ عبدالرحمن هجوان مدير عام إذاعة «حجة» في حفل اختتام الدورة التدريبية لمراسلي إذاعة «حجة» المحلية البعض منهم اعتذر بأنه ينوي العودة إلى «مديريته» والبعض الآخر رحب بالمفاجأة بمن فيهم كاتبة «السطور» خصوصاً حين سرى بين المتدربين بما يشبه الهمس أن الوجهة ستكون إلى مديرية «ميدي» وشاطئها الساحر.. ومن هناك انطلق «باص» الإذاعة مصحوباً بسلامة الله ودعاء السفر..
في السفر إليها
كما اتفقنا عزيزي القارئ في مقدمة هذا الاستطلاع عليك أن تعمل خيالك ومن هنا تبدأ تفاصيل الترحال.
الآن.. ابتعد «الباص» عن مدينة «حجة» وأصبح على مشارف «سوق الأمان» الذي يمرُ به المسافرون جيئة وذهاباً مروراً بمنطقة «الطور» الجميلة ثم يمضي بك اللسان الإسفلتي من مديرية «بني قيس» على طريقك تشاهد بائعي «العسل البلدي» أو ما يسمونه بعسل «العرج» وعسل «السلام» والبعض من المسافرين قد يوقف الحافلة ليشتري «العسل» ليقدمه هدية لأصدقائه.. أو قد يعود به ليتذوق مذاقه الأصيل.. لكن في وجهتنا تذوقنا «العسل» عبر زجاج «الباص» وآذاننا ما تزال تصغي إلى صوت «أيوب» المنبعث من مسجلة «الباص» هيمان حتى لو سكنتُ السحاب
لأصبحت قيعان فيها سراب
ما زال ذلك اللسان الاسفلتي يمضي بك على عدة مديريات أنت الآن في منطقتي «الخشم» و«المعرص» اللتين يمرُبهما أطول أودية تهامة «وادي مور» الذي يصب في البحر الأحمر.. وتتدفق إليه المياه من المناطق الجبلية من ضمنها سلسة «جبال الشرفين».. وهنا منطقة على دربنا تسمى «خميس الواعظات» أو «الوعظات».. لندع سر ذلك التسمية ونمضي إلى وجهتنا.. «الباص» الآن في مدينة «شفر» مركز مديرية «عبس» وهي مركز تجاري هام يشهد تقدماً ملحوظاً.. لكن مهلاً هنا حدث شيء ما استوقف دهشتنا جميعاً...!!
تجهيز العروس على الطريقة «العبسية»..!!
لم أنس عزيزي القارئ أنك شريكنا في تلك الدهشة.. وأننا ما نزال في طريقنا إلى الرائعة «ميدي» والأماكن التي نمرُ خلالها ليس بالأمر الهين أن نمر عليها مرور الكرام.. وفي مثل ذلك الموقف أيقنتُ تماماً بـ «سافر ففي الأسفار سبع فوائد» ونضيف إلى رقم «7» صفر من اليمين لتكن هكذا «70» فائدة وأكتشفت أننا نجهل من عاداتنا وتقاليدنا الجميلة الكثير على مستوى المحافظة الواحدة.. فكل محافظة يمنية لها مميزاتها وتراثها المتنوع.. «الباص» ماضٍ في طريقه صوب وجهتنا «ميدي» واللهفة تسبق قلوبنا إليها.. الآن يمُر من جوار «الباص» موكب عروس في وضح النهار.. فلفتت انتباهنا إلى ذلك الموكب إحدى الزميلات من مديرية «عبس» وافهمتنا أن ذلك من عاداتهم في الأعراس.. الموكب كان عبارة عن سيارتين «هيلوكس» ذي «غمارتين» ومفتوحة من الخلف.. في تلك الفتحة كان على متنها مجموعة من الصبايا بملابسهن التهامية المميزة.. ووجههن السمراء ففي الجبال مثلاً من المستحيل أن ترى الفتيات على الناقلات المفتوحة أو ما يسمى بالعامية «الجودي».
المهم السيارة الأولى كانت مزينة بأدوات مطبخ «العروس» بطريقة ملفتة للانتباه.. ورصها بحبل يطوق السيارة بشكل دائري والعروس هي من جمعتها منُذ طفولتها ليومها «الميمون» والسيارة الثانية كانت تحمل على متنها الصبايا مبتهجات وهن بتبعن أثاث «العروس» القادم من بيت «والدها»، وبالمصادفة وفي نفس اللحظة مرت سيارة ثالثة بنفس النوعية وكان على متنها «أبقار وأغنام» فقلتُ مازحة لزميلتنا: «وهذه هل اشترتها العروس»؟!
أجابت: «حرام «أليك» عليك.. تشتيها «تريدينها» ترأ «ترعى» من أول يوم..!! وحقيقة أن تلك العادة الغريبة والجميلة لم أسمع عنها إلا في تلك اللحظة ونحن في طريقنا إلى «ميدي» وقد ذكرتني ببعض الدول العربية وخصوصاً «سوريا» أن «العروس» هي من تجهز أثاث بيت «الزوجية» «لعريس الغفلة»..!!
وما زالت دهشة الاكتشاف مستمرة عزيزي القارئ..
ما للأقاحية السمراء...؟!
الآن... تجاوز بنا «باص» وجهتنا «عبس» والعرس الغريب الذي رأينا موكبه.. وأصبحنا في منطقة تسمى «ربوع مطولة».. يليها «بني حسن» في تلك الأماكن كنا على مقربة من مقصدنا «شاطئ ميدي» ويفصلنا عنها أماكن أخرى.. كانت «عيوننا» تتأمل السمراوات» على جانبي الطريق... و«بائعات الفُل» وتلك السمرة سببها الطقس الحار كما هو معروف.. وفي تلك اللحظة استوقفني الأخطل الصغير:
ما للأقاحية السمراء قد صرفت
عنا هواها؟ أرق الحسن ما سمحا
لو كنت تدرين ما ألقاه من شجن
لكنت أرفق من آسى ومن صفحا
هنا.. أكواخ المنفلوطي..!!
أنت الأن «حيراااان» لأنك في مديرية «حيران» هكذا هو اسمها تركنا مرة أخرى التسميات كي لا تُعيق وجهتنا لنبحث عنها في وقت آخر.. المكان هنا جعلني أغوص أكثر في أعماقي واستعيد ذاكرتي القرائية وأقارنها بمشاهداتي في «حيران» خاصة حين مر بنا «باص» الرحلة على جانبي الطريق بأكواخ متقنة التصميم.. كأنها حبات «لؤلؤ» تزين جيد «غانية» غنجاء.. حينئذ قلتُ لصديقة الرحلة «حورية العابد».
كأنما أديبنا العربي الراحل «المنفلوطي» حينما تحدث في كتابيه «النظرات والعبرات» كان يقصد هذه «الأكواخ» المتناثرة على جانبي «الطريق.. وقلوب البسطاء الذين هم يسكنونها.. وفي تهامة تسمى «العُشش» فرمقتُ بإعجاب تحدي ساكنيها لمتغيرات المناخ وتأقلمهم مع الطبيعة الصماء وترويضها لصالح عيشهم اليومي..
ويمضي «باص» الرحلة إلى «مثلث عاهم» لحظتها بدأ القلب يخفق بشدة لأنني وأنت عزيزي القارئ أصبحنا على مقربة من «مثلث ميدي» هنا لا إرادياً ابتهلت شفتاي بما قاله الشاعر:
يا ناس أذني لبعض الحي عاشقة
والأذن تعشق قبل العين أحيان
ابتسم أنت في ميدي
برغم التعب الذي استنزفته منا المنعطفات التي مررنا بها.. إلا أن الشوق المتوهج بأعماقي في ذروته خاصة وأنني سمعتُ عن «ميدي» كثيراً... فأحببتها قبل أن أراها.. وذلك ربما هو تفسير أن «أذني» عشقتها قبل أن تراها «عيناي» ويقال أروع الأماكن التي لم ترها بعد... ولأنك عزيزي القارئ في ضيافة «ميدي» لا بد أن تمنحك حق «الضيافة» وتقدم لك كأساً معلوماتياً مملوءاً بخصائص ومميزات المكان... وما تمتاز به «ميدي» من ثراء سياحي لم يُستغل بعد.. فهي إحدى مديريات م ـ حجة... تقع في الشمال الغربي «لمركز المحافظة» وبها ميناء قديم يسمى ميناء «الشرجة» ويتبعها «35» جزيرة في البحر الأحمر يحدها من الشمال المملكة العربية السعودية ومن الجنوب مديرية «عبس» ومن الشرق مديريات «عبس، حيران، حرض» ومن الغرب البحر الأحمر.. وتبعد «ميدي» عن عاصمة المحافظة بحوالي 197كم.. تقدر مساحتها بـ «6.666» كم2 وتلك المساحة عبارة عن أرض ساحلية يسودها المناخ الساحلي المتوسط الحرارة على مدار السنة، وبنسبة رطوبة عالية وتهطل فيها الأمطار صيفاً.. يبلغ تعداد سكانها حسب النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت لعام 2004م «16876» نسمة ويشتغل سكان المديرية في الصيد والزراعة والتجارة، وتتكون مدينة «ميدي» من خمس حارات هي: «الحواسة ـ الدواسة ـ الحراضية ـ الغرفية ـ السلام» أشهر آثارها «قلعة الإدريسي» والتي يرجع تاريخ بنائها إلى مطلع القرن «16» م وسميت باسم الإدريسي نسبة إلى محمد علي الإدريسي الذي قام ببنائها في موقع استراتيجي هام على شاطئ البحر الأحمر.. وكذلك قلعة «القماحية» التي يرجع تاريخ بنائها إلى القرن «16»م خلال فترة الحكم العثماني الأول وقد شيدها العثمانيون لغرض حماية سواحل البحر ومراقبة المياه الإقليمية، ومن أهم القرى في ميدي هي «المحرجة، حبل «القصار» بحيص، وقرية المخازن التي أكثر سكانها «آل تنابقة» وبعد أن ملأنا كأسك عزيزي القارئ بمعلومات قيمة وهامة عن ميدي تحرينا فيها الدقة.. وقدمناها لك بما يمليه علينا واجب «الضيافة» والكرم العربي الأصيل.. ننقل خيالك الآن إلى صورة أخرى تميط اللثام عن أهم منجز تقدمه الدولة لهذه الفاتنة ميدي..
مشروع ميناء ميدي.. واللسان البحري العملاق..!!
هنا للروح مع المكان تسبيحات صلاة يرتلها حنين الوجد.. حين ترمق عيناك شاطئ «ميدي» يحدثك بهمس الموج الأزرق.. ساعتئذ وصل بنا «الباص» خرجنا ورفاق الرحلة من أحشائه.. تجلل الوجه هيبة الصمت في حضرة البحر.. كانت الساعة الخامسة مساء وبضع ثوان.. كل منا يبحث له عن مكان ليضع عليه جسده.. بينما روحه أسلمها تماماً وبلا شعور منه إلى البحر.. يا إلهي لماذا كل هذه الهيبة أمام البحر...؟!!
لسان بحري عملاق.. يشق وسط البحر.. وحسب المعلومات إذا ما استُكمل ذلك المشروع سينافس بحار أوروبا روعة وجمالاً ويجذب سياح العالم والتجارة العالمية خاصة وأن «ميدي» ترتبط مع الحدود الدولية «السعودية» أما مشروع ميناء «ميدي» وما وجه به فخامة الرئيس علي عبدالله صالح.. بسرعة إنجاز المرحلة الثانية منه بحيث يحقق الهدف المنشود من الميناء كميناء سمكي وتجاري وهو يتكون من ساحة للمنشآت وحواجز أمواج وغاطس يبلغ عمقه 7أمتار، وتتكون حواجز الأملاح من حاجز أمواج جنوبي بطول 5.1688متر وحاجز أمواج شمالي من الأحجار الطبيعية بطول 1190متراً وحائط رصيف رقم «1» بطول 100متراً وعمق 5م، وحائط رصيف رقم «2» بطول 150م، وعمق 5م، ومساحة أرضية تبلغ 452320متراً مربعاً، ومساحة مائية تبلغ 173500متر مربع.. وبعد أن سردنا إليك الحديث بلغة الأرقام عزيزي القارئ وأوضحت لك الصورة كاملة تقريباً من جوانب عدة وما تحويه مدينة «ميدي» وشاطئها من أهمية بالغة.. يعود بنا حديث الوجد بالمكان.. أمام هيبة البحر.. يخط مذكرات «طفلة» الغيم.. وهي تبتهل إلى الله بصلاة هامسة للبحر..
قدسية لحظة.. ورعشة امبراطورية البحر..!!
بعد أن تركنا لغة الأرقام.. وأسماء الأماكن، وملامح البسطاء أخذتني خطواتي مع رفيقات الرحلة.. كل واحدة أخذت لها متكئاً وجلست على شاطئ الصمت المهيب تحاور البحر بطريقتها.. فكان الصمت هو السائد وانعدم الحديث شيئاً ما.. هنا تذكرت مقطع قصيدة للشاعر الفلسطيني عبدالناصر صالح..
«أي براعة ستضيء جمر الخوف والصلوات
أذكرها تجيء بثوبها الريفي
يغمر صدرها ألقُ الأنوثة.. تستفز أيائل
الغابات، حين تطير بين ظلالها، وتهز جذع
العمر، تسقط صورة لربيعها الأبدي..
أذكرها تراقص موجةً
فتحت ذراعيها كعاشقة.. أمام البحر
أذكرها تجفف دمعها الملكي... »
بأية لغة سأخاطبك يا بحر «ميدي»...؟! العبارات تشفي ما بداخلي من فضول لاكتشافك..؟!!
حقاً خانتني عبارات ذاكرتي.. فآثرتُ الصمت أمام هيبتك..
وغرقت الروح بلحظة قدسية بيضاء..
أهكذا تنقضي دوماً امانينا..؟!!
بعد لحظات الصمت تلك والشمس أذنت بالرحيل كأنما هي أيضاً تودعنا بطريقتها، وهبط علينا المساء فجأة دون سابق إنذار نسينا تماماً أننا سنعود من حيث أتينا.. وإنما تلك هي إلا مجرد لحظات نختلسها من عُمر الزمن ويكون من الصعب نسيانها لأنها حُفرت في أعماق القلب.. وفي لحظة الوداع الحزينة حضرت بقوة قصيدة «البحيرة» للشاعر العالمي «لامرتين».
أهكذا أنت تضيء دوماً أمانينا..؟
نطوي الحياة وليلُ الموت يطوينا
تجري بنا سُفنُ الأعمار ماخرة
بحر الوجود ولا نلقي مراسينا
خذ الشقي وخذ معه تعاسته
وخلنا فهناءالحُب يكفينا
هيهات هيهات أن الدهر يسمع لي
فالوقت يفلتُ والساعات تفنينا
وانقضت تلك «السويعات» كالحلم مرت وودعنا خلالها شاطئ ميدي بقبلة أرسلتها اناملنا في فضائه الرحب.. ولم أنس أن اودعك عزيزي القارئ واتمنى أنك زرت ميدي من خلال خيالك مع هذه السطور.. ولن أنس أن اشير على الجهات المختصة ضرورة ان تقوم بالترويج لهذه المديرية وإعطائها ما تستحق إعلامياً.. فهل وصلت الرسالة؟!!
توسع عمراني
بقايا آثار قديمةمواضيع عشوائيه ممكن تكون تعجبك اخترناها لك:
- مسافر تونس يوم و أريد المساعده
- بخصوص النقل من تبوك الى العقبة و من العقبة الى تبوك
- احدثيات المواقع المهمة في الاردنموضوع متجدد
- مبروك للاردن
- الجو بتونس
- سؤال لاهل الخبرة مع التحية
- تعرضت الأردن يوم الجمعة لموجة من الطقس السيئ مصحوبة بسقوط غزير للأمطار
- لكل مسافر إلى تونس
- لم تتبقى تذاكر يا عالم
- شقق الاجار السنوي والنص سنوي
- فزعتكم يا أهل الأردن
- يا خبرااااااء الأردن أفيدونا أفادكم الله
- اجراءات الدخول لليمن قاتلــــة ولكن
- العراق ينتخب عضواًَ في لجنتين تابعتين لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة
- تجربتي المتواضعة
- سجل حضورك مجلس بوابة الاردن حياكم الله
- هل التربتيك ضروري للسفر بالسيارة
- هو ينفع الواحد يسافر لتونس برى
- رجعت من عمان ومصدوم من الاسعار
- أتمنى تخصيص قسم فرعي تحت أسم بوابة محافظة اب
المفضلات