تونس وجهة لـ7 ملايين سائح عربي وأجنبي
تعد تونس الخضراء رغم حجم رقعتها الترابية، سجادا نسج من الطبيعة وحرير الحاضر والماضي.. وقد جعلها كل من التاريخ والجغرافيا موطنا للجمال والأمن والحضارة.
ويرى فيها زوارها من السياح العرب والأجانب وعددهم 7 ملايين سائح سنويا وجهة جذابة ضاربة جذورها في تاريخ عريق من الحضارات أبرزها الحضارة العربية الإسلامية.
ويبدو الأمر للدارس وكأن التاريخ اصطفى تونس لتكون مهدا لأروع الحضارات وأعمقها أثرا. فهي منذ ما لا يقل عن ثلاثة آلاف سنة تبني وتشيد وتنجز وتسجل الانتصارات تلو الانتصارات ومنذ أن قدمت إليها "الأميرة الفينيقية عليسة" لتأسيس مدينة "قرطاج" عام 814 قبل الميلاد وهي تلهم أعظم الحضارات شأنا وقيمة.
لكن تونس الأصيلة، بلغت أوج رشدها، واكتملت شخصيتها الفذة، في ظل العروبة والإسلام. وهي أخذت وتعلمت عن "البونيقيين" و"الرومانيين" ثم عن "الوندال" و"البيزنطيين" من بعدهم.
لكن حضارتها كانت كالزهرة التي تنتظر غبار الطلع المخصب، بقيت تنتظر الفتح العربي الإسلامي، لتتفتق عنه مثل العبق. فمن يوم أن وضع الصحابي الفاتح عقبة بن نافع حجر أساس القيروان ومرورا بعهود الأغالبة والعبيدين والحفصيين إلى المراديين والحسينيين ودولة الاستقلال وتغيير 7 نوفمبر 1987 بقيادة الرئيس زين العابدين بن علي..
والبلاد تسجل على صفحات التاريخ أسماء خلدت ذكرها في دنيا البطولات والملاحم والمعارف والعلوم والفنون كأسماء: ابن خلدون، وابن الجزار، وابن شرف، وابن هاني، وابن رشيق، وعبد العزيز الثعالبي والطاهر الحداد والشابي.
والمعالم الأثرية التي خلقتها الحضارات المتتالية تشهد لتونس بالمجد عبر التاريخ فزائر "قرطاج" يكاد يسمع وهو يزور الميناء القديم صليل السيوف في جمالها الخالد.
هنا حيثما تقدمت بك الرحلة على السواحل المنحدرة إلى حوض المتوسط على مدى نحو 1300 كلم، أو في سهول الشمال الخصبة والجبال الشامخة، أو باتجاه الجنوب حيث عظمة الصحراء وسحرها سيستوقفك في كل مرة موقع من مواقع الأجداد يدعوك بإلحاح لاستنشاق ريح التاريخ العابق والحضارة العريقة.
في شمال تونس تنصهر زرقة السماء الفضية في زمرد الغاب الكثيف، لتذوب في ياقوت اليم الرحيب، ثم تمتزج الألوان لتتحول في عرض ساحل طبرقة إلى موائد مرجان، ترعاها أسراب الأسماك المرحة. وعلى امتداد مئات الأميال تنبسط الشوطئ الخلابة.
وخلف أفق "الوطن القبلي" يرفع الستار عن شبه جزيرة واسعة الأرجاء سمتها الطيبة والطيب، هي لوحة رائعة تتجانس في إطارها الساحلي اللازوردي، كل شرائح الألوان: ألوان الطرافة والصفصاف والصبار والكروم والسرول والتوت والتين والزيتون.. حديقة غناء قطوفها دانية وغلالها شهية وافرة.. ويفوح "الوطن القبلي"، وتتضوع "الحمامات" و"نابل" و"منزل بوزلفة" بشذى الياسمين والبرتقال والليمون والورد والقرنفل.
فإذا ما هب النسيم من "الساحل التونسي" امتزجت هذه العطور بأريج غابات الزيتون لتذكر بتلك الباقة من المدن : تونس، سوسة، المنستير، جربة.. وغيرها، ومن تونس العاصمة نبدأ، فالوصول إليها سريع ومتوفر في كل الأوقات ومن كل العواصم والبلدان.
* تونس العاصمة
كان اللقاء بين تونس والتاريخ منذ أوائل عهود الحضارة الإنسانية. جذورها بعيدة العمق في أغوار القرون، رافقت العصور القديمة كالفينيقية والرومانية.. حيث تذكر كتب التاريخ أن تونس وجدت منذ بداية القرن التاسع قبل الميلاد.
أي في نفس الفترة التي قامت فيها قرطاج وأوتيك القريبة منها. وتونس بوابة الطريق إلى قرطاج سواء من جهة البر أو البحر. وقد عاصرت كل قرون الإسلام المتوالية فقد كانت المدينة الثانية بعد القيروان طيلة أربعة قرون، وأصبحت في القرن السادس عاصمة افريقية وحاضرتها طيلة تسعة قرون..
ولذلك فإن فيها من فنون المعمار وأنماط البناء ما يعود إلى كل عصر، ويمثل أذواق كل فترة تاريخية، سواء في مساجدها أو في قصورها وأسواقها وحصونها الدفاعية وأبوابها.
جامع الزيتونة أقدم مساجد تونس وأعظمها وأمجد معاهد العلم بإفريقية وأكثرها إشعاعا حضاريا، امتد إشعاعه في خدمة الثقافة والمعرفة من أوائل القرن الثاني الهجري وحتى يومنا هذا.
وما عرف التاريخ عالما تونسيا إلا وشرب من نبعه الصافي، وقد تخرج منه راوي الموطأ "علي بن زياد التونسي" وشيخ المالكية "سحنون بن سعيد"، والمصلح الإجتماعي "محرز بن خلف" وابن عبد السلام، وابن خلدون وابن عرفة والبرزلي والرياحي..
بني هذا الجامع في أواخر القرن الأول الهجري بجانب برج لبعض الرهبان بجانب شجرة زيتون كبيرة، فكان أن سمي "جامع الزيتونة" بناه الصحابي الفاتح حسان بن النعمان ووسعه الوالي عبيد الله بن الحجاب – سنة 114 هـ - وفي سنة 250 هـ أمر الخليفة العباسي المستعين بالله بهدم البناء القديم وإقامة المسجد على مساحة اوسع وفي مساحته الحالية وتوالت عليه أيدي الترميم والتحسين في عهود الخراسانيين والحفصيين..
وتعتبر قبته من أبدع زخارف الفن الإسلامي ومنبره – الساج الخشبي – من أقدم المنابر الباقية بعد منبر جامع عقبة بن نافع بالقيروان.
وفي بيت الصلاة بالجامع خزائن جمعت نوادر المخطوطات وكتب التراث وثمة أيضا "جامع القصر" الذي بني داخل أسوار المدينة العتيقة سنة 500 هـ. و"جامع الحلق" منذ القرن السابع الهجري، أسسته أمة زنجية كانت تملك أساور ذهبية تسمى بـ"الحلق" باعتها وأسسته تقربا إلى الله و"جامع القصبة" أو "جامع الموحدين" و"جامع الهواء"..
ويعد المسجد الأعظم نقطة انطلاق لوجود المدينة، فقد اقيمت حوله كل مراكز الحياة الإجتماعية، إذ انتظمت حوله الأسواق التجارية: سوق القماش، سوق الصوف، سوق السراجين، سوق الكتبيين، سوق العطارين، سوق الترك وسوق البركة الخاص ببيع الذهب والجواهر، وسوق البلغاجية "وهي نوع من الأحذية الافريقية المغربية " وسوق النحاس وسوق الشواشية..
وتتخلل هذه الأسواق المدارس العديدة التي تتكامل مع جامع الزيتونة في وظيفته التعليمية، كانت تؤم الطلاب للدراسة والسكن وتنعقد فيها مجالس الأدب والمناظرات من بينها: مدرسة الشماعية، مدرسة التوفيق، المدرسة العنقية، مدرسة الفتح "أنشأها الأندلسيون الخارجون من الأندلس". وينتقل الزائر لتونس الخضراء بين القصور القديمة في الجزء القديم من تونس: دار الباي "قصر الحكومة حاليا" قرب القصبة – قصر دار حسين..
وتونس العاصمة تنام في أحضان منتزهات كثيرة تعكس أصالة الذوق عند التونسي القديم وحسن اختياراته الحضارية: أريانة بجناتها الفيحاء التي أسس فيها ملوك بني حفص رياضهم المعروفة "رياض أبي فهر". ومنوبة..
إلى جانب المنتزهات الساحلية المرصوفة على خليج تونس رصفا دقيقا، أقدمها "رادس"، و"حمام الأنف"، في أحضان جبل "بوقرنين"، و"جبل المنار" أو "جبل سيدي بو سعيد الباجي" وضاحية "المرسى" أو "مرسى جراح" التي فيها القصر الحفصي وقصور الحسينيين.
وتعد "الحنايا الرومانية " من أكبر معالم الحضارات القديمة في الشمال الافريقي. بناها الرومان على شكل قناطر ممتدة عشرات الأميال يسيل فوقها الماء من منابع جبال زغوان ليصل إلى قرطاج قاطعا أكثر من سبعين ميلا. وهي تعد من غرائب الدنيا، تعرف في تونس بـ"الحنايا"، يقصر عنها الوصف لاتقانها وغرابتها...
وأهل تونس، كما يقول عنهم الرحالة المغربي أبي عبد الله العبودي: "ما رأيت لأهلها نظيرا شرقا ولا غربا، شيما فاضلة ومعاشرة جميلة.. بلد لا يستوحش فيه غريب.. يبدؤون من طرأ عليهم بالمداخلة، ويخطبون منه لفضل طباعهم بالمواصلة فهو بينهم بين أهل مشفق ورفيق مرفق". :109::109:
* ثروات تتنفس تحت الماء
يعرف هواة الغوص في العالم ضفة المرجان ومدينتها "بنزرت" سواحل تمتد على مسافة ثلاثمائة كيلومتر، تتخللها خلجان احتفظت بأصالتها، وجبال ومرتفعات غطتها خضرة الأشجار.
هنا في شمال تونس، حيث أرض الأودية والبحيرات وغابات "السرول" والزراعات الخصبة.. لقد كانت المنطقة تعرف باسم " مطمورة روما"، واحتفظت منذ ذلك الماضي بمدن أثرية غاية في الجمال والإبداع مثل: دقة، بلاريجيا، شمتو، أوتيك..
وتعتبر "بنزرت" أو "هيبوديارتيوس" عاصمة المنطقة توالى عليها القرطاجيون والرومان والوندال والبيزنطيون والعرب والأتراك. وفي مناطق الشعب المرجانية يمكن للغواص أن يمضي الفترة التي يريد وهو يتجول في معرض الفنون التشكيلية الذي رسمته وحفرته وربعته وكعبته ودورته.. قدرة الخالق.
إن أروقة الشعب المرجانية تنتقل بالغواص انتقالا متدرجا من حيث درجات اللون قربا وابتعادا من القاع فمن اللون الأحمر.. لون الياقوت تتدرج إلى الأصفر ثم الأبيض كلما اقترب الغواص من سطح الماء ومن أشعة الشمس..
ومن فرط جمال تلك المجسمات الطبيعية واللوحات المصاحبة لها، فإن يد الغواص تتراجع تلقائيا عن إفساد عالم الجمال هذا باقتطاع أي جزء منه، لتبقي المتحف مكتملا ينعم زائروه بمشاهدته على الطبيعة، وحمل ما يستطيع من الصور وشرائط الفيديو التي تجسد هذا العالم السحري البديع، الذي تتجول فيه الأسماك الملونة في مكانها الطبيعي، دون هواء اصطناعي أو أحواض زينة.
إن اللسان لينعقد دهشة للأحكام الدقيق في تناسق الألوان وانسجامها، وتلك "الهارمونيا" التي تشكل في النهاية لوحة يعجز أي فنان عن الاتيان بمثلها، بما في ذلك القاع الذي يشكل أرضية متماوجة الألوان وكأنه قطع من السيراميك تشكله المحارات وتكسبه زرقة البحر لونها.
* وجهة الصيادين
وإذا تجاوزنا البحر والجبل فإن المناخ الذي يتألف سيكون مناخا جذابا يتهافت عليه المصطافون.. والبحر والجبل يتجاوران في "طبرقة – عين دراهم". جبال "طبرقة" في الناحية الخلفية بغاباتها المتكاثفة الأشجار تكاثفا يثير الدهشة بتنوع نباتاتها فهذا صندل وذلك حور أو صفصاف أو سنديان يتصاعد شامخا..
وفي هذه الأجمات ومنذ حلول الخريف يبدأ موسم صيد الحيوانات البرية التي يتشوق إليها هواة الصيد من السياح وفي المسالك المتشابكة ومخابئ السرخس الكثيف سقط آخر أسد برصاص الصيادين – حدث ذلك عام 1932.
* سوسة.. جوهرة تونس:24::24:
[IMG]
[/IMG]
تتربع سوسة على ضفاف الأبيض المتوسط وكأنها ملكة انتخبها الزمن مثالا للعمران الرائع والطلة البهية إنها جوهرة الساحل بحق بشوارعها النظيفة وشاطئها الممتد على عشرات الكيلومترات وسوسة من المدن التي تنام قليلا وتسهر كثيرا إنها قريبة من المنستير وكل شيء في هذه الأخيرة يدق باب النوم: رباطها المنيع وتاريخها المحتشد بالأبطال والبطولات وحيويتها الدائمة..
أما في اتجاه الوسط الغربي فثمة سهوب الحلفاء حيث يكتسي الفضاء بعدا عميقا ويتوارى الأفق بعيدا حتى لا تدركه الأبصار وتكتب القيروان بصومعتها الشامخة سطورا من عظمة المكان وقوة التاريخ.. وسوف تتوالى واحات الجنوب حيث يطيب المقام لإشراقة النور والشاعرية في الإطار الساحر ومسك الختام جربة هذه الجزيرة التي سحرت أوليس وصحبه منذ القدم، وتبارى الكتاب والشعراء في تدبيج الأوصاف عن جمالها الهادئ الذي يتفصد أحلاما ورؤى.
* منتزهات
والإقامة المريحة الممتعة لزوار تونس مضمونة في أكثر من ستمائة فندق مصنف. وفي هذه الفنادق تتوفر كل مرافق الإقامة والراحة والترفيه فعلاوة على الشقق الفسيحة المجهزة بكل المستلزمات "الاستحمام والتكييف وأجهزة الاتصال" والمطابخ التي تعد أشهى المآكل التونسية والأجنبية والمسابح الخاصة بكل الاعمار ومقاهي الهواء الطلق حيث يطيب شرب فنجان من القهوة أو الشاي "المنعنع".. كما يجد الزائر الشقق المفروشة والتجهيزات الترفيهية كالملاعب الرياضية المتنوعة إلى جانب زوارق الرحلات والوسائل العصرية للتزحلق أو الغوص تحت الماء.
وقد أحدثت في عدة مناطق بتونس مثل المنستير ومرسى القنطاوي وطبرقة وقرطاج وياسمين الحمامات منتزهات هي عبارة عن "مدن كاملة فيها كل التجهيزات الأساسية للتجمعات السكنية العصرية من أندية ثقافية ومراكز تجارية ومراكز راحة وعلاج وموانئ ترفيهية وملاعب الصولجان "الغولف".. وتبقى تونس البلاد التي كلما زرتها تشتاق اليها أكثر، جنة السياحة في ضفتي المتوسط
المفضلات